للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-١- ألا يتقدم على إمامه بعقبه في حال القيام، أو ألييه إن صلى قاعدا، أو بجنبه إن صلى مضطجعا، أو برأسه إن صلى مستلقيا، وإن تقدم بطلت صلاته، إلا في صلاة شدة الخوف، فإن الجماعة فيها صحيحة وإن تقدم المأموم على الإمام، بل هي أفضل من الانفراد، وكذا عند الكعبة، فلو استداروا حولها لم يضر كون أحدهم أقرب إلى الكعبة من الإمام، إذا كان في غير جهته.

أما إن ساوى المأموم إمامه فالصلاة صحيحة، إلا أن ذلك مكروه ومفوت لفضيلة الجماعة (١) ، كما لو قارنه في شيء من أقوال الصلاة وأفعالها التي يطلب فيها عدم المقارنة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم ( ... فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد ... ) (٢) فالفاء فيه دالة على التعقيب لا على المقارنة.

ويندب تأخر المأموم عن إمامه في الموقف بقدر ثلاثة أذرع فأقل، فإن زاد على ثلاثة أذرع فاتته فضيلة الجماعة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرا فقال لهم: (تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) ، (٣) .

والسنة أن يقف المأموم الواحد عن يمين الإمام، رجلا كان أو صبيا، ويستحب أن يتأخر قليلا عن مساواة الإمام، فإن خالف ووقف يساره أو خلفه استحب له أن يتحول إلى يمينه محترزا من أفعال تبطل الصلاة، فإن لم يتحول استحب للإمام أن يحوله، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نمت عند ميمونة - خالته - والنبي صلى الله عليه وسلم عندها تلك الليلة، فتوضأ ثم قام يصلى، فقمت عن يساره، فأخذني فجعلني عن يمينه" (٤) . فإذا استقر على اليسار أو خلفه كره، وصحت صلاته.

فإذا حضر مأمومان تقدم الإمام واصطفا خلفه، سواء كانا رجلين أو صبيين، أو رجلا وصبيا، أو تأخرا هما عن الإمام وهو أفضل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى في بيت مليكة جدة أنس رضي الله عنه، صف أنس رضي الله عنه واليتيم وراءه، والعجوز من ورائهما (٥) .

وإن حضر ذكران منذ البداية صفا خلفه، لما روى الترمذي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدمنا أحدنا" (٦) . وكذا المرأة أو النسوة تقف خلفه وخلف الرجال جميعا، عن أنس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالته، قال: فأقامني عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا" (٧) .

والأفضل في حال اجتماع رجال وصبيان ونساء أن يقف الرجال خلفه، ثم الصبيان، إن لم يسبقوا إلى الصف الأول، ثم النساء. ويسن عدم وقوف الصبي خلف الإمام مباشرة وإن سبق إلى الصف بل تجب إزاحته، لحديث أبي مسعود رضي الله عنه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلنى منكم أولو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) " (٨) . ولأن الإمام قد يضطر إلى ترك الصلاة فيقدم من خلفه. إلا أن يكون الصبي أعلم القوم أو أقرأهم، فليس لأحد تنحينه عن محله الذي سبق إليه، بل هو أولى من الجاهل وإن كان أسن.

أما إمامة النساء الخلص فتقف وسطهن، لما تقدم من أن عائشة وأم سلمة رضى الله عنهما أمتا نساء فقامتا وسطهن.

وإذا وجد الداخل في الصف فرجة أو سعة دخلها، وله أن يخرق الصف المتأخر إذا لم يكن فيه فرجة وكانت في صف أمامه، لتقصيرهم بتركها، فإن لم يجد فرجة أو سعة كره له الوقوف منفردا عن الصف، واستحب له أن يجذب بنفسه واحدا من الصف، لكن بعد أن يحرم حتى لا يخرجه عن الصف لا إلى صف، ويسن للمجذوب الموافقة ليحصل لهذا فضيلة صف، وليخرج من خلاف من قال لا تصح صلاة منفرد خلف الصف. ويستأنس فيه أيضا بحديث مقاتل بن حيان مرفوعا قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن جاء رجل فلم يجد أحداً فليختلج إليه رجلا من الصف، فليقم معه، فما أعظم أجر المختلَج) (٩) .

-٢- أن يعلم انتقالات إمامه ليتمكن من متابعته، وذلك إما بمشاهدة الإمام أو بمشاهدة بعض صف، أو بسماع صوت الإمام، أو المبلغ، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت لنا حصيرة نبسطها بالنهار، ونحتجرها بالليل، فصلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فسمع المسلمون قراءته فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الثانية كثروا، فاطلع إليهم فقال: (اكلَفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا) " (١٠) .

-٣- اجتماع المقتدي مع الإمام في مكان واحد. وفي ذلك تفصيل:

(١) إذا كانا معا في المسجد فتصح الجماعة وإن بعدت المسافة، وحالت بينهما أبنية نافذة إلى حيث الإمام، وإن ردت أبوابها أو أغلقت ما لم تسمر في الابتداء، لأن كل موضع. من المسجد موضع جماعة. أما إن كانت الأبنية غير نافذة بينهما فلا تصح القدوة وإن أمكنت رؤية الإمام، والمساجد المتلاصقة المتنافذة التي يؤدي بعضها إلى بعض (١١) تعتبر كالمسجد الواحد.

ولا يضر كون أحدهما أعلى من الآخر، كأن كان أحدهما في سطح المسجد أو منارته والآخر في سردابه، ما علم صلاة الإمام ولم يتقدم عليه، لأنه كله مبني للصلاة، لكن يكره ارتفاع أحدهما عن الآخر إن أمكن وقوفهما على مستوى واحد، لما روى أبو داود عن هَمَّام "أن حذيفة أمّ الناس بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه (١٢) ، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال؟ بلى، قد ذكرت حين مددتني" (١٣) . إلا إن كان ارتفاع أحدهما لحاجة، كاستتار النسوة، أو التبليغ، أو التعليم، فلا يكره لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه سهل بن سعد رضي الله عنه " ... ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها - أي على أعواد المنبر - وكبر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى، فسجد في أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: (أيها الناس، إنما صنعت هذا لتأتموا، ولِتَعَلّموا صلاتي) " (١٤) .

وفي جميع الحالات يشترط لصحة الجماعة أن يكون بالإمكان المرور من عند المؤتم إلى عند الإمام، ولو بازورار وانعطاف، وأن يكون المأموم عالما بصلاة إمامه ليتمكن من متابعته، وألا يتقدم عليه. هذا من حيث الصحة، أما من حيث فضيلة الجماعة فإنها تفوت إن تأخر عن الإمام أو عن الصف اكثر من ثلاثة أذرع، وإن ساوى الإمام في المكان.

(٢) إذا كانا معا خارج المسجد، في فناء أو بناء فيشترط لصحة الجماعة ألا يكون بين الإمام والمؤتم، أو بين كل صفين ممن ائتم بالإمام خلفه أو جانبه أكثر من ثلاثمائة ذراع تقريبا، ولا بأس بزيادة ثلاثة أذرع فأقل. وألا يكون بينهما حائل كالباب المردود ابتداء، أما الباب المفتوح فيصح اقتداء الواقف بحذائه أو خلفه.

(٣) إن كان الإمام في المسجد والمقتدي خارجه تصح الجماعة بشرط ألا تزيد مسافة البعد ما بين آخر المسجد وأول مقتد يقف خارجه، أو بين كل صفين أو شخصين خارج المسجد، على ثلاثمائة ذراع تقريبا، ولا بأس بزيادة ثلاثة أذرع فأقل، بذراع الآدمي، ويعتبر صحن المسجد من المسجد. وألا يوجد حائل بينهما، بحيث يمكن الوصول إلى الإمام من غير ازورار ولا انعطاف. إلا أن فضيلة الجماعة تفوت إذا زادت المسافة بين كل صفين أو شخصين أو بين الإمام والمؤتم على ثلاثة أذرع.

-٤- نية الاقتداء: وهي واجبة قبل الدخول في الصلاة، مقرونة بتكبيرة الإحرام، وسبب ذلك أن التبعية عمل يفترق عن الصلاة فهو بحاجة إلى نية، فإن لم ينو انعقدت صلاته فردية ولا تبطل، لكن لا تجوز له المتابعة، بخلاف ما لو كانت المتابعة شرطا من شروط صحة الصلاة مثل صلاة الجمعة فإن لم ينو المأموم الائتمام أو القدوة في هذه الحال بطلت صلاته ولم تنعقد أصلا. وإذا ترك نية الاقتداء والانفراد، وأحرم مطلقا انعقدت صلاته منفردا، فإن تابع الإمام في أفعاله من غير تجديد نية بطلت صلاته لأنه ارتبط بمن ليس بإمام له. وكذلك لو شك أثناء صلاته هل كان نوى الاقتداء لم تجز له المتابعة إلا أن ينوي الآن المتابعة، فإن تابع بلا نية جديدة بطلت صلاته لأنه ربطها بصلاة غيره دون رابط متيقن. أما إن وقع الشك بعد التسليم فلا شيء عليه وصلاته ماضية على الصحة.

وتكره نية الاقتداء أثناء الصلاة لمن أحرم منفردا، وتصح الجماعة إلا أنه لا يحصل على فضلها لأنه صير نفسه تابعا بعد أن كان مستقلا، وتجب عليه في هذه الحال متابعة الإمام فيما هو فيه، فلو كان في سجوده الأخير أو تشهده الأخير ونوى القدوة بإمام واقف بقى جالسا إلى أن يجلس الإمام.

ولو قطع الإمام الصلاة لسبب ما جاز له أن يستخلف مأموما. ولا يلزم المأمومين تجديد نية القدوة في هذه الحال.

أما نية الإمامة في حق الإمام فهي مستحبة قبل الدخول في الصلاة وأثناءها، فإن نواها قبل الدخول في الصلاة حصل على فضيلة الجماعة، أما إن نواها أثناء الصلاة فيحصل على فضل الجماعة من حين أن نوى، ولا يكره له ذلك لأنه لا يصير نفسه تابعا في هذه الحال، لكن لا تنعطف نيته على ما قبلها. وإن لم ينوها صحت صلاة الجماعة إلا أنه لم يحصل هو على فضلها وإن حصل ذلك لمن خلفه، إذ ليس للمرء إلا ما نوى. ذلك ما لم تحن الصلاة صلاة الجمعة، فإن كانت وجبت عليه نية الإمامة حين التحرم بها، فإن تركها ولو سهوا لم تصح جمعته، أما المؤتمون فإذا لم يعلموا بسهو إمامهم عن النية إلا بعد انتهاء الصلاة صحت جمعتهم، أما إن علموا ذلك قبل الصلاة أو أثناءها فصلاتهم باطلة.

-٥- توافق نظم صلاتيهما في الأفعال الظاهرة، فلا يصح الاقتداء مع اختلافه كمكتوبة خلف كسوف أو العكس، أو مكتوبة خلف جنازة أو العكس، أو جنازة خلف كسوف أو العكس وذلك لتعذر المتابعة.

ولا يضر اختلاف نية المأموم عن نية الإمام، فيصح اقتداء المفترض بالمتنفل والعكس، لما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي قومه فيصلى بهم" (١٥) . ولما روي عن يزيد بن عامر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس يصلون فصل معهم، وإن كنت قد صليت، تكون لك نافلة وهذه مكتوبة) (١٦) .

كما يصح اقتداء المؤدي بالقاضي، ومصلى الرباعية بمصلى الثنائية أو الثلاثية والعكس، ولا تضر صلاة السرية خلف الجهرية أو العكس. والصلاة صحيحة في هذه الحالات كلها كما علم لكن تفوت بها فضيلة الجماعة.

-٦- الموافقة في سنن تفحش المخالفة فيها: كسجدة التلاوة فتجب فيها الموافقة فعلا وتركا، وإلا بطلت الصلاة، وكسجود السهو، فتجب فيه الموافقة فعلا لا تركا، فإن فعله الإمام وجبت متابعته به، وإن تركه فلا تجب، ويسن للمأموم الإتيان به. والتشهد تجب فيه الموافقة تركا لا فعلا، فإن تركه الإمام وجب على المأموم تركه (١٧) ، وإن فعله الإمام جاز للمأموم تركه، والانتظار في القيام حتى يلحقه إمامه فيمضي معه، مع جواز العودة للمتابعة (١٨) ، بل يندب له العود للمتابعة ما لم يقم الإمام، وما لم يطل وقوفه قبل أن يهوي لمتابعة الإمام.

وأما القنوت فلا تجب فيه الموافقة لا تركا ولا فعلا، فإن فعله الإمام جاز للمأموم أن يتركه ويسجد عامدا، وإذا تركه الإمام سن للمأموم فعله إن لحقه في السجدة الأولى، وجاز له إن لحقه بالجلوس بين السجدتين، وامتنع عليه إن لم يلحقه إلا في السجدة الثانية، ما لم ينو المفارقة (١٩) .

أما السنن التي لا تفحش المخالفة فيها، كجلسة الاستراحة مثلا، فليست الموافقة فيها شرطا لصحة الجماعة.

-٧- المتابعة: وهي أن يجري على أثر إمامه، بحيث يكون ابتداؤه لكل فعل متأخرا عن ابتداء الإمام، ومقدما على فراغه منه، وكذلك في الأقوال، إلا التأمين فإنه يستحب فيه مقارنته. ودليلها حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم ( ... فإذا كبر فكبروا) .


(١) وكل مكروه في صلاة الجماعة مفوت لفضيلتها.
(٢) مسلم ج ١/ كتاب الصلاة باب ١٩/٨٦.
(٣) مسلم ج ا/كتاب الصلاة باب ٢٨/١٣٠.
(٤) البخاري ج ا/كتاب الجماعة والإمامة باب ٣٠/٦٦٦.
(٥) انظر أبو داود ج ا/كتاب الصلاة باب ٧١/٦١٢.
(٦) الترمذي ج ٢/أبواب الصلاة باب ١٧٢/٢٣٣.
(٧) مسلم ج ا/كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب ٤٨/٢٦٩.
(٨) مسلم ج ١/كتاب الصلاة باب ٢٨/١٢٢.
(٩) البيهقي ج ٣/ص ١٠٥، والمختلَج: المجتذب، يقال: خلج يخلج: جذب.
(١٠) مسند الإمام أحمد ج ٦/ص ٢٤١، ونحتجرها: نتخذها مثل الحجرة. والكلف بالشيء: الولع به، فاستعير للعمل، للالتزام والملابسة.
(١١) كما في الأزهر والجرهرية.
(١٢) جبذه وجذبه بمعنى واحد.
(١٣) أبو داود ج ١/كتاب الصلاة باب ٦٧/٥٩٧، ومددتنى: مددت قميصي وجذبته إليك.
(١٤) البخاري ج ١/كتاب الجمعة باب ٢٤/٨٧٥، وقوله لتعلّموا: أي لتتعلموا.
(١٥) البخاري ج ١/كتاب الجماعة والإمامة باب ٣٧/٦٧٩.
(١٦) الدارقطني ج ١/ص ٢٧٦.
(١٧) وإن ترك الإمام والمأموم التشهد معا، وانتصبا، فلا يعود المأموم له ولو عاد الإمام، لأنه قد يكون فعله مخطئا فلا يوافقه في الخطأ، أو عامدا فتبطل صلاته، والأولى للمأموم في هذه الحال مفارقة إمامه، إلا أنه يجوز له انتظاره لاحتمال كون عود الإمام سهوا لا عمدا.
(١٨) هذا إذا كان المأموم عامدا بترك التشهد الأول مع الإمام، أما إن انتصب ساهيا فيجب عليه العود لمتابعة إمامه، فان لم يعد بطلت صلاته. وسبب هذا التفريق في الحكم بين العامد والساهي، أن العامد يعتد بفعله، وقد انتقل إلى واجب القيام، مع وحوب المتابعة عليه أيضا، فخير بين العود والاستمرار، أما الناسي فلا يعتد بفعله، ويكون قيامه كعدمه، لذا تجب عليه العودة للمتابعة.
(١٩) والسبب في التفرقة بين حكم التخلف للقنوت، وحكم التخلف للتشهد هو أنه في تخلفه للقنوت لا يحدث وقوفا لم يفعله إمامه، أما في تخلفه للتشهد فيحدث جلوسا لم يحدثه إمامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>