للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - صلاة شدة الخوف:

وهذا النوع جاء به القرآن الكريم في قوله تعالى: {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} (١) . وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها ثم قال: (فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالاً، قياماً على أقدامهم، أو ركباناً، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها) قال نافع: (لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (٢) .

متى ولمن ترخص: إذا اشتد الخوف من قتال العدو، أو إذا التحم القتال المباح، واشتد الاختلاط بين القومين، بحيث يلتصق بعضهم ببعض فلا يتمكنون من ترك القتال، ولا يقدرون على النزول إن كانوا ركباناً، ولا على الانحراف إن كانوا مشاة. وفي حالة الهرب هرباً مباحاً من طريق أو سيل أو سبع أو صائل أو لص ونحو ذلك. أو المدين المعسر العاجز عن بينة الإعسار ولا يصدق غريمه، ولو ظفر به لحبسه، فإذا هرب منه فله أن يصليها، وكذلك يصليها من طلب لا ليقتل بل ليحبس أو يؤخذ منه شيء، لأنه خائف من ظلم فأشبه خوف العدو، ولو كان عليه قصاص ويرجو العفو إذا سكن غضب المستحق فله أن يهرب ويصلي صلاة شدة الخوف هارباً، لأنه يستحب للمستحق العفو فكأنه مساعد له على التواصل إليه إذا سكن غضبه، وحيث جوزنا له صلاة شدة الخوف بهذه الأسباب غير القتال فلا إعادة عليه.

ولو انهزم المسلمون من كفار، فإن كانوا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، أو كان بإزائهم أكثر من مثليهم، فالهزيمة جائزة، فلهم صلاة شدة الخوف وإلا فلا، بل تحرم. ولو انهزم الكفار فتبعهم المسلمون، وكانوا بحيث لو أكملوا الصلاة على الأرض إلى القبلة فاتهم العدو، لم تجز صلاة شدة الخوف لأنهم ليسوا خائفين بل يطلبون، وإنما جوزت هذه الصلاة للخائف، فإن خافوا كميناً أو كر العدو فلهم صلاة شدة الخوف لوجود سببه.

كيفيتها: يصلي كل من القوم كيف أمكنه بشرط ضيق الوقت، بحيث لا يبقى منه إلا ما يسع الصلاة، وذلك إذا كان يرجو الأمن قبل خروج الوقت. أما إن لم يرجه فيصلي كيف أمكنه ولو في أول الوقت. وإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما للضرورة. روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فإذا كان خوف أكثر من ذلك - أراد المذكور في الحديث المتقدم - فصل راكباً أو قائماً تومئ إيماءً) (٣) . ويجعل السجود أخفض من الركوع ليحصل التمييز بينهما.

ويجوز اقتداء بعضهم ببعض مع الاختلاف في الجهة، ومع التقدم على الإمام، ومع عدم المشاهدة، لأن المعتبر في الاقتداء العلم بصلاة الإمام لا مشاهدته. ويصلي سواء كان راكباً أو راجلاً، مستقبلاً القبلة أو غير مستقبلها.

ويعذر بالأفعال أثناء صلاته إن كانت هذه الأفعال متعلقة بالقتال، كالضربات الكثيرة، وكان محتاجاً إليها، وإلا بطلت صلاته، أما الصياح فمبطل لصلاته، ولو احتاج إليه، وكذلك الكلام الكثير. ويجب عليه إلقاء السلاح إن تنجس بدم مثلاً، إلا إذا خاف من إلقائه ضرراً فيجب حمله مع القضاء.

وإذا أمن وهو في الصلاة، أو زال خوفه، أتم صلاته كما في الأمن ولا قضاء عليه. فإن كان يصلي راكباً فأمن وجب النزول مستقبلاً القبلة في الحال ويبني على صلاته، فإن استمر راكباً أو استدبر القبلة وهو نازل بطلت صلاته.

ولو صلى متمكناً على الأرض إلى القبلة فحدث خوف في أثناء الصلاة فركب، فإن كان مضطراً إلى الركوب لم تبطل صلاته ويبني، وإن لم يضطر بل كان قادراً على القتال وإتمام الصلاة راجلاً فركب احتياطاً بطلت صلاته ولزمه الاستئناف.


(١) البقرة: ٢٣٩.
(٢) البخاري ج ٤/ كتاب التفسير /البقرة باب ٤٦/ ٤٢٦١.
(٣) مسلم ج ١/كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب ٥٧/٣٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>