للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- أقل الغسل تعميم بدن الميت بالماء، مرة واحدة.

وأكمله: أن يغسل في خلوة لا يدخلها إلا الغاسل، ومن يعينه - إن احتاج -؛ ولولي الميت - وهو أقرب الورثة - أن يدخل وإن لم يغسل، وإن لم يعن. وأن يلبس الميت قميصاً رقيقاً لا يمنع وصول الماء، لما روت عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص، ويدلكونه بالقميص دون أيديهم) (١) . ولما روى البيهقي (أن علياً رضي الله عنه غسل النبي صلى الله عليه وسلم وعلى النبي صلى الله عليه وسلم قميص وبيد علي رضي الله عنه خرقة يتبع بها تحت القميص) (٢) . ولأن ذلك أستر له، فإن أمكن الغاسل أن يدخل يده في كمه الواسع اكتفى بذلك، وإن لم يمكن شقه من الجانبين، فإن لم يكن القميص واسعاً يمكن تقليبه فيه نزع عنه وطرح عليه مئزر يغطي ما بين سرته وركبتيه.

ويجعل على مرتفع كلوح، ويغسل بماء مالح بارد، لأن الماء العذب يسرع إليه البلاء، ولأن البارد يشد البدن، إلا لحاجة كبرد ووسخ، فيسخنه قليلاً. وأن يجلسه على المرتفع برفق، مائلاً قليلاً إلى ورائه، ويضع يمينه على كافه وإبهامه في نقرة قفاه لئلا يميل رأسه، ويسند ظهره بركبته اليمنى، ويمر يده اليسرى على بطنه بتحامل يسير، مع التكرار ليخرج ما في بطنه من فضلات. ثم يضجعه على قفاه، ويغسل سوأتيه بخرقة ملفوفة على يساره، ثم يلقيها، ويلف خرقة أخرى على يده بعد غسلها بماء وصابون، وينظف بها أسنانه ومنخريه، ثم يوضئه كالحي مع النية، ثم يغسل رأسه فلحييه بنحو سدر (٣) أو صابون، ويسرح شعرهما - إن كان لهما شعر وتلبد - بمشط واسع الأسنان، برفق، ويرد شعرهما ندباً في الكفن أو القبر. ثم يبدأ بميامنه، لحديث أم عطية رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسل ابنته: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) (٤) فيغسل شقه الأيمن ثم الأيسر، ثم يحرفه إلى شقه الأيسر فيغسل شقه الأيمن مما يلي قفاه، ثم يحرفه إلى شقه الأيمن فيغسل الأيسر كذلك، مستعيناً في ذلك بنحو سدر، ثم يزيله بماء من فرق رأسه إلى قدمه. ثم يعممه كذلك بماء قراح (٥) ، فيه قليل من الكافور، حتى لا يتغير الماء.

وهذه الغسلات كلها تعتبر غسلة واحدة، لأن العبرة في العدد للغسل بالماء القراح، ويسن الغسل ثانية وثالثة أو أكثر إن احتيج، على أن يوتر، لحديث أم عطية رضي الله عنها في رواية أخرى قالت: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته، فقال: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك، إن رأيتن ذلك، بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً) (٦) .

ويندب ألا ينظر الغاسل من غير عورته إلا قدر الحاجة، كما يندب ألا يمسه، أما عورته فيحرم النظر إليها ومسها، فيلف على يده خرقة، أو يلبس قفازاً، ثم يغسل له فرجه وسائر بدنه، لحديث علي رضي الله عنه المتقدم. ويندب أن يغطي وجهه بخرقة تزال بعد الغسل.

وإذا كان الميت محرماً فلا يقرب منه الطيب، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم في المحرم الذي خر من بعيره ( ... ولا تمسوه طيباً) ومحل ذلك إذا توفي قبل التحلل الأول، أما إذا توفي بعد التحلل الأول فهو كغيره في طلب الطيب. ويستحب أن يبخر عند الميت من حين يموت حتى نهاية غسله، لأنه ربما ظهر منه شيء فيغلبه رائحة البخور.

ومن تعذر غسله لفقد الماء أو غيره، كما لو احترق بحيث لو غسل لهَرِئ يُمَّم.


(١) أبو داود ج ٣/ كتاب الجنائز باب ٣٢/٣١٤١.
(٢) البيهقي ج ٣/ص ٣٨٨.
(٣) السدر: نبات كان يستعمل في التنظيف بدل الصابون في عصرنا.
(٤) البخاري ج ١/ كتاب الجنائز باب ١١٩٧.
(٥) خالص صاف.
(٦) البخاري ج ١/ كتاب الجنائز باب ٨/١١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>