للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ما يسن في الدفن:

-١- أن يكون الدفن في المقبرة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن الموتى بالبقيع، ولأنه يكثر الدعاء له ممن يزوره، ويجوز الدفن في البيت لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها.

-٢- يستحب أن يجمع الأقارب في موضع واحد، لما روى المطلب رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك عند رأس عثمان بن مظعون صخرة وقال: "أتعلم قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي " (٤) .

-٣- أن يكون في غير الليل. وفي غير وقت حرمة الصلاة، إلا أنه يجوز الدفن في هذين الوقتين من غير كراهة. ودليل عدم كراهته في الليل حديث ابن عباس رضى الله عنهما " أن رسول

صلى الله عليه وسلم مر بقبر قد دفن ليلاً فقال: "متى دفن هذا؟ " قالوا: البارحة. قال: "أفلا آذنتموني؟ " قالوا: دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك. فقام، فصففنا خلفه، قال ابن عباس: وأنا فيهم، فصلى عليه " (٥) .

-٤ - أن يكون الدافنون رجالا، لأن المرأة أضعف، ولئلا ينكشف بدنها حين الدفن، وأن يكونوا وتراً، فإن حصلت الكفاية بواحد وإلا ثلاثة، وإلا فخمسة، إن أمكن، واحتيج إليه.

-٥- يسن الدفن باللحد إذا كانت الأرض صلبة، وفي الشق إذا كانت رخوة، لئلا ينهار عليه اللحد. روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال في مرضه الذي هلك فيه: "ألحدوا لي لحداً، وانصبوا على اللبن نصباً كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم" (٦) .

والشق هو ما يحفر في قعر القبر كالنهر، وتوضع بلاطة فوقه، واللحد هو حفرة في الجدار القبلي للقبر من الأسفل، بقدر حجم الميت. فبعد أن يحفر القبر ويعمق بقدر قامة وبسطة يحفر

في جانبه اللحد. ثم يسد اللحد بعد وضع الميت بلبنة، ثم ينهال عليه التراب إلى أن يملأ القامة والبسطة.

-٦- أن يستر القبر عند الدفن بثوب، سواء كان المدفون رجلاً أو امرأة، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جلل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر سعد بثوبه" (٧) .

-٧- أن يوضع رأس الميت عند رجل القبر، ثم يسل فيه سلا، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سُلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل رأسه " (٨) . ولأن ذلك أسهل.

-٨- أن يفضى بخده إلى الأرض، ويكره أن يجعل له وسادة، أو صندوق، ولو أوصى بذلك، إلا إذا احتيج إليه لنداوة الأرض، روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "إذا أنزلتموني في اللحد فأفضوا بخدي إلى الأرض" (٩) ، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "لا تجعلوا بيني وبين الأرض شيئاً" (١٠) .

-٩- يسن أن يسند وجه الميت ورجلاه عند الدفن إلى جدار القبر، وظهره بنحو لبنة أو حجر لئلا ينكب على وجهه. وأن يوضع على شقه الأيمن، قياساً على النائم، وعلى المصلى مضطجعاً، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم للبراء بن عازب رضي الله عنه: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن".

-١٠- ويسن أن يقول عند إضجاع الميت: "بسم الله، على ملة رسول الله ". قال الشافعي رضي الله عنه، ثم يقول: "اللهم أسلمه إليك الأشحاء من ولده وأهله وقرابته وإخوانه، وفارق من كان يحب قربه، وخرج من سعة الدنيا والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه، ونزل بك وأنت خير منزول به، إن عاقبته فبذنب، وإن عفوت فأهل العفو أنت، غني عن عذابه، وهو فقير إلى رحمتك، اللهم اشكر حسنته، واغفر سيئته، وأعذه من عذاب القبر، واجمع له برحمتك الأمن من عذابه، واكفه كل هول دون الجنة، اللهم اخلفه في تركته في الغابرين، وارفعه في عليين، وعد عليه برحمتك يا أرحم الراحمين" (١١) وله أن يدعو بغيره إن شاء.

-١١- ويسن لكل من على القبر أن يحثو عليه ثلاث حثيات تراب بيديه جميعاً، روى عامر ابن ربيعة عن أبيه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين دفن عثمان بن مظعون رضي الله عنه، فصلى عليه، وكبر عليه أربعا وحثا بيديه ثلاث حثيات من التراب وهو قائم على القبر" (١٢) .

-١٢- ويسن ألا يزاد على التراب الذي أخرج من القبر، فإن زادوا قليلا فلا بأس به. ويشخص القبر من الأرض قدر شبر، لما روى القاسم بن محمد قال: "دخلت على عائشة فقلت: يا أمَّه اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء " (١٣) .

-١٣- كما يسن أن يسطح القبر، ويوضع عليه الحصى، ويرش عليه بالماء لأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في قبر ابنه إبراهيم. ولأنه إذا لم يرش زال أثره فلا يعرف.

-١٤- يسن أن يقف جماعة بعد دفنه يدعون للميت، ويستغفرون له، ويقرؤون عنده شيئاً من القرآن، وختمه أفضل، ويسألون الله له التثبيت، لما روى عثمان رضي الله عنه قال: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت، ووقف عليه قال: "استغفروا لميتكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل" (١٤) .

كما يسن تلقينه، لما روى سعيد بن عبد الله الأودي قال: "شهدت أبا أمامة رضي الله عنه وهو في النزع فقال: إذا أنا مت فاصنعوا في كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إذا مات أحد من إخوانكم، فسويتم التراب على قبره، فليقم أحد على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان بن فلانة فإنه يستوي قاعداً، ثم يقول يا فلان بن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله، ولكن لا تشعرون. فليقل؟ اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقران إماماً" (١٥) .

-١٥- يسن وضع الجريد الأخضر والريحان على القبر لأنه يستغفر للميت ما دام رطباً. ودليله الحديث المتقدم في المعذبين في القبر، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع الجريد على القبرين وقال: "لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا". ولا يجوز أخذه قبل أن ييبس من غير واضعه.


(١) لذا كان الدفن في القبور الني يطمرونها بالتراب من غير حجارة، كما في بعض الأرياف، حراماً، لأنها لا تمنع من السبع.
(٢) المجموع ج ٥ /ص ٢٤٨، ومعنى قامة وبسطة: أن يعمق قدرهما من رجل معتدلهما، بأن يقوم فيه باسطاً يديه مرفوعتين.
(٣) النسائي ج ٤/ص ا ٨.
(٤) أبو داود ج ٣/كتاب الجنائز باب ٦٣/ ٣٢٠.
(٥) البخاري ج ا /كتاب الجنائز باب ٥٤ /١٢٥٨، وآذنتموني: أعلمتموني.
(٦) مسلم ج ٢/كتاب الجنائز باب ٢٩/٩٠.
(٧) البيهقي ج ٤/ص ٥٤.
(٨) البيهقي ج ٤/ص ٥٤.
(٩ و ١٠) المجموع ج ٥ /ص ٢٥٤.
(١١) المجموع ج ٥ /ص ٢٥٦.
(١٢) البيهقي ج ٣/ص ٤١٠، وقال إسناده ضعيف إلا أن له شاهداً.
(١٣) أبو داود ج ٣/كتاب الجنائز باب ٧٢/٣٢٢٠.
(١٤) البيهقي ج ٤/ص ٥٦.
(١٥) رواه الطبراني، مجمع الزوائد ج ٣/ص ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>