للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- يجب صوم رمضان بأحد أمور أربعة:

-١- يجب - بصورة عامة - لاستكمال شعبان ثلاثين يوماً.

-٢- يجب في من رأى هلال رمضان، ولو كان فاسقأ، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتموه (١) فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم (٢) عليكم فاقدروا له) (٣) ، وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه: (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) (٤)

-٣- يجب بحق من أخبر برؤية الهلال من قبل من يثق به، أو من قبل من يعتقد صدقه، ولو كان امرأة، أو صبيا عاقلا، أو فاسقا، وإن لم يقبل الحاكم شهادته، فإن صام ثم بان أنه من رمضان أجزأه لأنه نوى الصوم بظن وصادفه، فأشبه البينة.

-٤- يجب بحق من لم يره بإخبار عدل عند الحاكم، وتثبت رؤيته عند الحاكم بشهادة عدل واحد حر ذكر مكلف، لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: "تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه، وأمر الناس بصومه" (٥) ولأنه إيجاب عبادة فقبل من واحد احتياطا للفرض.

وأما هلال بقية الأشهر فلا بد لإثباته من عدلين، فلا يقبل في هلال الفطر - هلال شوال - إلا شاهدان، لأنه إسقاط فرض فاعتبر فيه العدد احتياطا للفرض، فمن رأى هلال شوال وحده لزمه الفطر، ويفطر سرا لئلا يتعرض للتهمة في دينه.

وإذا رئي ببلد لزم من وافق مطلعهم مطلعه (٦) ، والدليل على عدم وجوب الصوم إن اختلفت المطالع ما روى كريب "أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا، وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم" (٧) . ولو شك في اتفاق المطالع لم يلزم الصوم الذين لم يروا، لأن الأصل عدم الوجوب، ولأن الصوم إنما يجب بالرؤية للحديث، ولم تثبت الرؤية في حق هؤلاء لعدم ثبوت قربهم من بلد الرؤية.

وإذا رأوا الهلال بالنهار فهو لليلة المستقبلة، سواء رأوه قبل الزوال أو بعده، لما روى أبو وائل قال: "جاءنا كتاب عمر - رضي الله عنه - ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا إلا أن يشهد رجلان مسلمان أنهما أهلاه بالأمس عشية" (٨) .

ولو سافر من بلد إلى آخر، ووجدهم مفطرين أو صائمين لزمته موافقتهم، سواء في أول الشهر أو في آخره.

وإذا اشتبه رمضان على أسير أو حبيس وجب عليه الاجتهاد ثم الصوم، فإن استمر الإشكال عليه ولم يعلم أنه صادف رمضان أم لا فصومه مجزئ، وكذلك إن وافق صومه رمضان، أو وافق صومه ما بعد رمضان. أما إن صادف صومه ما قبل رمضان فينظر: إن أدرك رمضان بعد بيان الحال لزمه صومه بلا خلاف لتمكنه منه في وقته، وإن لم يبن الحال إلا بعد مضى رمضان وجب القضاء. أما إن صام بغير اجتهاد ووافق رمضان، لم يجزئ بلا خلاف.


(١) المراد رؤية بعضكم.
(٢) غم عليكم: أي حال بينكم وبينه غيم.
(٣) البخاري ج ٢/كتاب الصوم باب ٥/١٨٠١.
(٤) البخاري ج ٢/كتاب الصوم باب ١١/١٨١٠.
(٥) أبو داود ج ٢/كتاب الصوم باب ١٤/٢٣٤٢.
(٦) يقصد بذلك كون البلدين على خط طول واحد، فإذا رئي بأحدهما لزم الصوم البلد الآخر ولو لم يروه.
(٧) مسلم ج ٢/كتاب الصيام باب ٥/٢٨.
(٨) البيهقي ج ٤/ص ٢١٣. وخانقين: بلدة في العراق قريبة من بغداد.

<<  <  ج: ص:  >  >>