للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥- الاستطاعة: لقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} ، والمراد منها استطاعة التكليف بهذه الفريضة.

والاستطاعة نوعان: استطاعة بنفسه، واستطاعه بغيره:

أولاً - استطاعة المباشرة بالنفس: وشروطها خمسة للرجل والمرأة سواء، وشرطان خاصان بالمرأة دون الرجل.

أما الخمسة العامة فهي:

-١ - وجود الزاد وقدر النفقة ذهاباً وإياباً، فإذا لم يجد الزاد وحج معولاً على السؤال كره له ذلك، وذهب الشافعي إلى أنه يجب الحج بإباحة الزاد والراحلة ممن لا منة له على المباح له، كالوالد إذا بذل الزاد والراحلة لولده. كما يشترط وجود أوعية الزاد إن احتاج إليها لحمل الزاد من بلده، أما الشخص القريب من مكة فقد لا يحتاج إلى ذلك. ويشترط وجود الماء والزاد في المواضع المعتاد حمله منها بثمن المثل، فلو لم يجد الماء أصلاً، أو وجده بأكثر من ثمن المثل لم يجب عليه الحج، وكذلك وجود علف الدابة التي يركبها، في كل مرحلة (٣) .

-٢ - وجود آلة الركوب التي تليق، في حق المرأة والخنثى مطلقاً، أما في حق الرجل فيشترط ذلك إن طال سفره؛ أي إن كان بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر، ولو كان قادراً على المشي. أما إن كان سفره أقل من مرحلتين، وهو قادر على المشي فلا تشترط آلة الركوب من راحلة وغيرها. ودليل ما سبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر السبيل في الآية {من استطاع إليه سبيلاً} باستطاعة الزاد والراحلة، روي عن أنس رضي الله عنه قال: "قيل يا رسول الله ما السبيل؟ قال: (الزاد والراحلة) " (٤) .

ويشترط في كل ما سبق من زاد وأوعية وراحلة، أن يكون فاضلاً عن دَيْنه، سواء كان الدين لآدمي أو لحق الله تعالى، كالزكاة والكفارات. كما يشترط أن يكون فاضلاً عن مؤنة من عليه مؤنتهم، كزوجة وفرعه وأصله، مدة ذهابه ورجوعه وإقامته في الحجاز، لحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) (٥) . وأن يكون فاضلاً عن مسكنه اللائق به، وعن عبد يليق به ويحتاج إليه في خدمته.

-٣ - توفر الأمن في الطريق وقت خروج الناس للحج، بأن يكون خالياً من نحو سبع وعدو، فإن لم يأمن على نفسه أو ماله لم يجب عليه الحج.

-٤ - صحة البدن: فلا حج على المريض والمزمن والمقعد، والشيخ الكبير الذي لا يثبت على الراحلة بنفسه، ولو وجدت فيهم سائر شروط الحج الأخرى. وإن كان أعمى لم يجب عليه إلا أن يكون معه قائد، لأن الأعمى من غير قائد كالزمن، ومع القائد كالبصير.

-٥ - إمكان السير، وتوفر الوقت اللازم، بحيث يدرك الحج، فإن لم يبق من الوقت ما يتمكن فيه من السير لأداء الحج لم يلزمه.

أما الشرطان الخاصان بالمرأة فهما:

-١ - أن يخرج معها زوجها، أو محرم لها، أو نسوة ثقات، اثنتان فأكثر، تأمن معهما على نفسها، لأن الأطماع تنقطع بجماعتهن.

أما إذا كان الحج نفلاً فلا بد من زوج أو محرم، وإن لم يكن كل منهما ثقة، إنما الشرط أن يكون ذا غيرة عليها.

وليس للمرأة الحج إلا بإذن الزوج، فرضاً كان أو غيره، ولو منعها منه لم يجز لها الخروج له، وإذا أخرت الفرض لمنعه، وماتت، قضي من تركتها، ولا تعتبر عاصية، ما لم تتمكن من الحج قبل النكاح.

-٢ - ألا تكون معتدة عن طلاق أو وفاة مدة إمكان السير للحج، لقوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن} (٦) .

ثانياً -الاستطاعة بغيره: وتكون بأحد أمرين: بماله أو بمن يطيعه.

-١ - فمن لا يقدر على الحج بنفسه لزمانة أو كبر، أو مرض لا يرجى زواله، بأن أقعده ذلك، وله مال يدفعه إلى من يحج عنه، فيجب عليه فرض الحج، لأنه يقدر على أداء الحج بغيره.

-٢ - ومن لا يقدر على الحج بنفسه، وليس له مال، ولكن له ولد يطيعه إذا أمره، فإذا كان الولد مستطيعاً، وجب على الأب الحج، ويلومه أمر الابن بأدائه عنه، وإن لم يكن للولد مال فلا يلزمه. لما روي عن أبي رَزِيْن العُقيلي رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن. قال: (حج عن أبيك واعتمر) " (٧) .


(١) مسلم ج ١/كتاب الإيمان باب ٥٤/١٩٢.
(٢) الترمذي ج ٤/ كتاب الحدود باب ١/١٤٢٢.
(٣) أو وقود ما يقوم مقام الراحلة في أيامنا.
(٤) المستدرك ج ١/ص ٤٤٢.
(٥) أبو داود ج ٢/كتاب الزكاة باب ٤٥/١٦٩٢.
(٦) الطلاق: ١.
(٧) ابن ماجة ج ٢/ كتاب المناسك باب ١٠/٢٩٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>