- تتضح هذه الآداب من خلال الأحكام المتعلقة بقضاء الحاجة والتي نبينها فيما يلي:
-١- يستحب أن ينحي عنه ما عليه ذكر الله، ولو في حجاب، ما لم يكن موضوعاً في مادة تمنع نفوذ الرائحة إليه، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه" (الترمذي ج ٤ / كتاب اللباس باب ١٦ / ١٧٤٦) وفي الصحيحين أن نقش خاتمه صلى الله عليه وسلم كان: محمد رسول الله" (انظر البخاري ج ٥/ كتاب اللباس باب ٥٢/ ٥٥٣٩)
-٢- يندب لبس النعلين
-٣- يندب ستر الرأس، للرجال والنساء، لأن محل قضاء الحاجة مأوى الشياطين ودليل الأدبين السابقين ما روى البيهقي عن حبيب بن صالح قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء لبس حذاءه وغطى رأسه" (البيهقي ج ١ / ص ٩٦، والحديث مرسل، وكذلك كثير من الأحاديث التي استدللنا بها في بحثي قضاء الحاجة والاستنجاء أحاديث ضعيفة، إلا أن المعروف عند الفقهاء أن الحديث الضعيف يستدل به في فضائل الأعمال، كما هي الحال في أكثر بنود البحثين)
-٤- يندب أن يهيئ ما يستنجي به قبل جلوسه. لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار" (أبو داود ج ١ / كتاب الطهارة باب ٢١/ ٤٠)
-٥- يندب أن يستتر إن لم يكن ثم من يحرم عليه النظر إلى عورته وإلا وجب، جاعلاً الساتر وراء ظهره، لحديث أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ... من أتى من الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره ... ) . (أبو داود ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٩/ ٣٥)
على أن يكون طول الساتر ثلثي ذراع فأكثر بذراع الآدمي، وألا يعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع، ولا فرق في الساتر بين الجدار والوهدة وكثيب الرمل، ولو أرخى ذيل ثوبه في قبالة القبلة حصل به الستر.
وإن كان في الصحراء أبعد، لما روى يعلى بن مرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب إلى الغائط أبعد" (ابن ماجة ج ١ / كتاب الطهارة باب ٢٢/ ٣٣٣)
-٦- يندب تقديم الرجل اليسرى على اليمنى عند الدخول، وتقديم اليمنى على اليسرى عند الخروج، وكذا يفعل في الصحراء إذا بلغ موضع جلوسه، قال صاحب المهذب: "لأن اليسار للأذى واليمنى لما سواه"
-٧- يندب أن يقول عند الدخول: "بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث (الخبث: مفرده خبيث، وهو ذكر الشياطين) والخبائث (الخبائث مفردها خبيثة، وهي أنثى الشياطين) "، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا وضعوا ثيابهم أن يقولوا: بسم الله) (رواه الطبراني في الأوسط، مجمع الزوائد ج ١/ ص ٢٠٥) وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) " (البخاري ج ١ كتاب الوضوء باب ٩/ ١٤٢)
وأن يقول عند الخروج: "غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" لحديث عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الغائط قال: (غفرانك) " (ابن ماجة ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٠/ ٣٠٠) ، ولما روى أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) " (ابن ماجة ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٠/ ٣٠١) وله أن يزيد: "اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش"
-٨- يندب ألا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" (الترمذي ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٠/ ١٤) كما يندب أن يسبل ثوبه إذا فرغ قبل انتصابه.
-٩- يندب أن يبعد بين رجليه اتقاء البول، لحديث المعذبين في القبر المتقدم، وفيه: (أما أحدهما فكان لا يستتر من البول) (البخاري ج ١ كتاب الجنائز باب ٨٧/ ١٣١٢، وقد تقدم الحديث برواية مسلم) وأن يعتمد على قدمه اليسرى في القرفصاء وينصب اليمنى، لحديث سراقة بن جعشم رضي الله عنه قال: "علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدنا الخلاء أن يعتمد اليسرى وينصب اليمنى" (البيهقي ج ١/ ص ٩٦)
-١٠- يجب على الذكر أن يستبرئ من البول، إذا غلب على الظن بالمحل شيئا منه، وذلك بالتنحنح، أو بالصبر لحظات، أو يمشي خطوات، على ألا يصل إلى حد الوسوسة، ودليله ما ورد في حدث المعذبين في القبر برواية النسائي، وفيها (كان أحدهما لا يستبرئ من بوله) (النسائي ج ٤ / ص ١٠٦)
ولا حاجة لهذا عند الأنثى لكن يجب عليها الاستبراء من الودي (الودي ماء أبيض كدر ثخين لا رائحة له، يعقب البول وقد يسبقه وقد يخرج عند حمل شيء ثقيل) الذي يعقب البول بخروجه
-١١- يكره استقبال الريح بالبول لئلا يعود الرذاذ عليه فيتنجس، ويستحب أن يستدبرها.
-١٢- يكره البول أو الغائط في جحر (الجحر: كل شيء يحتقره الهوام والسباع لأنفسها) لحديث عبد الله بن سَرجِس رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر" قال: "قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الجحر؟ قال: كان يقال إنها مساكن الجن" (أبو داود ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٦/ ٢٩) ولأنه ربما خرج عليه ما يلسعه أو يرد عليه البول
-١٣- يكره قضاء الحاجة في الطريق، لحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن (الملاعن: جمع ملعنة، وهي سبب وقوع اللعن) الثلاث: البراز في الموارد (الموارد: المجاري والطرق إلى الماء) وقارعة الطريق، والظل" (أبو داود ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٤/ ٢٦)
-١٤- يكره البول في متحدث الناس (متحدث الناس: مكان تحدثهم) لما فيه من أذى لهم
-١٥- يكره قضاء الحاجة تحت شجرة مثمرة يؤكل ثمرها، صيانة للثمر الساقط من التلويث، سواء كان ذلك في وقت الثمر أو في غيره، والغائط أخف كراهة من البول في موضع كهذا، لأنه يرى بالعين فيجتنب ما أصابه أو يطهر
-١٦- يكره البول في مكان صلب، لما ورد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فأراد أن يبول، فأتى دمثاً (الدمث بفتح الدال، والميم مفتوحة أو مكسورة: الأرض السهلة الرخوة، والرمل غير المتلبد) في أصل جدار فبال، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد (يرتاد: يختار) لبوله موضعاً" (أبو داود ج ١/ كتاب الطهارة باب ٢/ ٣)
-١٧- حكم البول والغائط في الماء:
- الراكد: يكره البول فيه، قليلاً كان أو كثيراً، لحديث جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى أن يبال في الماء الراكد" (مسلم ج ١ / كتاب الطهارة باب ٢٨/ ٤٩)
- الجاري: إن كان قليلاً يحرم البول فيه لأن ذلك ينجسه ويتلفه على نفسه وعلى غيره لجريانه، وإن كان كثيراً فلا يحرم، لكن الأولى اجتنابه.
والنهي عن التغوط قرب الماء واضح، داخل في عموم النهي عن البول في الموارد
- المسبل: يحرم ما لم يستبحر (يستبحر: أي يكثر حتى يصبح كالبحر) الماء، كما يحرم في الماء المملوك للغير
-١٨ - لاستقبال القبلة واستدبارها ثلاثة أحكام:
- يحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء، وفي الفلاة، بدون ساتر أو بساتر لم يستوف الشروط، لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره شرقوا أو غربوا) (البخاري ج ١/ كتاب الوضوء باب ١١/ ١٤٤)
وعن أبو هريرة رضي الله عنه قال: "قال صلى الله عليه وسلم "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب (الاستطابة: الاستنجاء) بيمينه" وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرمة" (أبو داود ج ١ / كتاب الطهارة باب/ ٤/٨)
- خلاف الأولى: أن يستقبل القبلة أو يستدبرها إذا وجد الساتر
- لا حرمة ولا كراهة ولا خلاف الأولى في استقبال القبلة واستدبارها في الأماكن المعدة لذلك، لكن الأدب أن يتوقاها، ويهيئ مجلسه مائلاً عنها إذا أمكن بلا مشقة
-١٩- يكره التكلم إلا لضرورة، فلو عطس مثلاً حمد الله في نفسه، ولو سُلِّم عليه كره له رد السلام، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما " أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فلم يرد عليه" (الترمذي ج ١ أبواب الطهارة باب ٦٧/٩٠) وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط، كاشفين عن عورتهما، يتحدثان، فإن الله عز وجل يمقت على ذلك) (أبو داود ج ١ / كتاب الطهارة باب ٧/ ١٥)
-٢- يكره البول قائماً، إلا لعذر، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائماً فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعداً" (الترمذي ج ١ / أبواب الطهارة باب ٨/ ١٢) أما ما روى مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: " ... فلقد رأيتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نتماشى، فأتى سباطة (السباطة: ملقى التراب والقمامة) خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم فبال ... " (مسلم ج ١ /كتاب الطهارة باب ٢٢/ ٧٤) فقال الخطابي: "قد يكون ذلك لعلة بصلبه صلى الله عليه وسلم أو بمأبضيه (المأبض: كمسجد، باطن الركبة من الآدمي، والجمع مآبض كمساجد) ، أو لأنه لا يجد مكاناً يصلح للقعود، أو لبيان الجواز"
-٢١- يكره طول القعود، روي عن لقمان عليه السلام أنه قال: "طول القعود على الحاجة تَتَّجِع منه الكبد، ويأخذ منه الباسور، فاقعد هويناً واخرج" (المجموع ج ٢ / ص ٩٨)
-٢٢- يكره النظر إلى السماء أو إلى فرجه، أو إلى ما يخرج منه، إلا لضرورة، كما يكره أن يعبث بيده.
-٣٢- يكره الاستنجاء بالماء في موضع قضاء الحاجة، لئلا يعود إليه الماء النجس، لحديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في مستحمه، ثم يتوضأ فيه، فإن عامة الوسواس منه) (أبو داود ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٥/ ٢٧) أما في الأماكن المتخذة لذلك كالمراحيض فلا بأس فيه، لأنه لا يترشش عليه.
-٢٤- يحرم البول في المسجد، ولو في إناء، لأن البول مستقبح فينزه المسجد منه
-٢٥- يحرم البول على القبر، لاختلاط ترابه بأجزاء الميت، ويكره بقربه
-٢٦- يحرم أن يبول على ما منع الاستنجاء به لحرمته، كالعم وسائر المطعومات، وغيرها مما سيرد بيانه.