للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- بعد أن يفيض الحاج من عرفة، ويبيت بمزدلفة، يأتي منى يوم العيد فيرمي وينحر ويحلق، ثم بعد ذلك يفيض إلى مكة فيطوف بالبيت (١) ، وهذا الطواف يسمى طواف الزيارة، لأنه يأتي من منى فيزور البيت، ولا يقيم بمكة، وإنما يبيت في منى، ويسمى أيضاً طواف الإفاضة، لأنه يفعله عند إفاضته من منى إلى مكة. وهو فرض في الحج، لذلك يسمى أيضاً طواف الفرض أو طواف الركن.

- دليل فرضيته:

قوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} (٢) .

وحديث عن عائشة رضي الله عنها "أن صفية بنت حيي رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أحابستنا هي؟) قالوا: إنها قد أفاضت. قال (فلا إذاً) " (٣) .

- وقته:

يدخل وقته من نصف ليلة النحر، بدليل حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: "أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت" (٤) .

ولا آخر لوقته، ولكن الأفضل فعله يوم النحر ويكره تأخيره عنه، وتأخيره عن أيام التشريق أشد كراهة.

- واجباته:

-١- ستر العورة: وهي العورة الواردة في بحث الصلاة. والدليل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه "أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمّره عليها رسول الله قبل حجة الوداع، يوم النحر، في رهط، يؤذن في الناس ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان" (٥) .

-٢- الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، والطهارة من النجاسة في الثوب والبدن والمكان الذي يطؤه. ويعفى عما يشق الاحتراز منه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه) (٦) . وإذا زال الستر أو انتقض الوضوء أثناء الطواف جدد ستره أو وضوءه، وبنى على ما طافه سابقاً، وإن تعمد ذلك وطال الفصل، بخلاف الصلاة، إذ يحتمل في الطواف ما لا يحتمل فيها ككثير الكلام. لكن يسن للمرء استئناف الطواف في هذه الحال.

-٣- جعل البيت عن يساره ماراً تلقاء وجهه، فلو استقبله أو استدبره، أو جعله عن يمينه لم يصح طوافه.

-٤- الابتداء من الحجر الأسود في كل شوط، فلو بدأ من غيره لم يحتسب له ما طافه قبله.

-٥-كون الطواف سبع طوفات من الحجر الأسود للحجر الأسود، فإن ترك شيئاً من السبع وإن قل لا يجزئ، والدليل ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعاً ثم صلى خلف المقام ركعتين" (٧) . ولا ينجز شيء منه بالدم ولا بغيره. ولو شك في العدد لزمه الأخذ بالأقل أثناء الطواف، أما إذا شك بعد الانتهاء فلا شيء عليه.

-٦- كون الطواف داخل المسجد وإن وسع، ما لم يخرج عن الحرم، ويجوز في هواء المسجد وعلى سطحه، ولو مرتفعاً عن البيت، ولا بأس بالحائل بين الطائف والبيت.

-٧- أن يكون الطائف خارجاً بجميع بدنه عن جميع البيت. ويعتبر الشاذروان (٨) من البيت، وكذا حجر سيدنا إسماعيل، وهو الحطيم لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجَدْر -هو الحجر أو الحطيم -أمن البيت هو؟ قال: (نعم) " (٩) .

والدليل على وجوب كون الطائف خارجاً بجميع بدنه عن جميع البيت، قوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} . فيكون المرء طائفاً به إذا لم يكن جزء منه فيه، وإلا فهو طائف فيه. ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف خارجه، وقد قال: (خذوا عني مناسككم) .

لذا من دخل جزء من بدنه في هواء الشاذروان أو الحجر، أو مس جدار الحجر أو جدار البيت أثناء سيره، لم يصح طوافه، فيعيد الشوط الذي حصل فيه شيء من ذلك.

وإذا أراد أن يستلم الركن اليماني أو الحجر الأسود أثناء طوافه، فيجب عليه أن يقف ويثبت قدميه ثم يستلم، بحيث لا يمشي أية خطوة وهو لامس للحجر أو الركن أو الجدار، وإلا فعليه إعادة الشوط.

-٨- عدم صرف الطواف لغيره، كطلب غريم، فإذا انصرف انقطع، أما اقتران نية الطواف بنية أخرى كالتفتيش عن شخص تائه عنه، فلا مانع منه.

وإذا كان الطواف نفلاً فتجب فيه النية، أما في الطواف الواجب فالنية سنة، لأن نية الحج أو العمرة تشمل الطواف.


(١) الأفعال المشروعة يوم النحر أربعة: ١-الرمي ٢- الذبح ٣-الحلق ٤-طواف الإفاضة. والسنة ترتيبها كذلك.
(٢) الحج: ٢٩.
(٣) البخاري ج ٢/ كتاب الحج باب ١٤٤/١٦٧٠.
(٤) أبو داود ج ٢/ كتاب المناسك باب ٦٦/١٩٤٢.
(٥) البخاري ج ٢/كتاب الحج باب ٦٦/١٥٤٣.
(٦) الترمذي ج ٣/ كتاب الحج باب ١١٢/٩٦٠.
(٧) البخاري ج ٢/ كتاب الحج باب ٦٨/١٥٤٤.
(٨) الشاذروان: وهو بناء مسنم، قدر ثلثي ذراع، خارج عن عرض جدران الكعبة.
(٩) البخاري ج ٢/ كتاب الحج باب ٤١/١٥٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>