للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- آداب الزيارة:

فإذا توجه الزائر إلى المدينة فليكثر من الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم في طريقه ويستحب أن يغتسل قبل دخوله، ويلبس أنظف ثيابه، ويستحضر في قلبه شرف المدينة، وأنها أفضل الأرض بعد مكة. فإذا وصل باب مسجده فليقل الذكر المستحب في دخول كل مسجد؛ لما روي عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد يقول: (بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك) ، وإذا خرج قال (بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك) (١) ، وليقدم رجله اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج، فإذا دخل فليقصد الروضة وهي ما بين القبر والمنبر، فيصلي تحية المسجد بجنب المنبر لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي) (٢) ، ثم يأتي القبر الكريم فيستدبر القبلة، ويستقبل جدار القبر الشريف، ويقف قبالة الشباك المتوسط للمقام، وبعيداً عنه قدر أربعة أذرع، غاضَّ الطرف في مقام الهيبة والإجلال، فارغ القلب من علائق الدنيا، مستحضراً في قلبه منزلة من هو بحضرته، ثم يسلم، ولا يرفع صوته، ويقول: "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا حبيب الله، أشهد أنك رسول الله حقاً، بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وجلوت الظلمة، ونطقت بالحكمة، وجاهدت في سبيل الله حق جهاده، جزاك الله عنا أفضل الجزاء". ثم يتأخر جهة يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه قائلاً: "السلام عليك يا أبا بكر يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، جزاك الله عن أمة محمد خيراً". ثم يتأخر قدر ذراع جهة يمينه فيسلم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلاً مثل ما سبق لأبي بكر رضي الله عنه، ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقرأ سورة يس ويقرأ عند قدميه: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} (٣) ، ثم يعود إلى موقفه قبالة الوجه ويتوسل به صلى الله عليه وسلم إلى ربه.

ويستحب له مدة إقامته بالمدينة أن يصلي الصلوات كلها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع، وخاصة الجمعة، ويقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لنا ولهم ". فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- كلما كانت ليلتها منه - يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) " (٤) .

ويستحب أن يزور قبور الشهداء بأحد، وأفضله يوم الخميس، ويبدأ بحمزة رضي الله عنه.

ويستحب استحباباً مؤكداً أن يأتي مسجد قباء، وفي يوم السبت آكد، لما روى عبد الله ابن دينار " أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يأتي قباء كل يوم سبت، وكان يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه كل سبت " (٥) ، ناوياً التقرب بزيارته، والصلاة فيه، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء راكباً وماشياً فيصلي فيه ركعتين " (٦)

ويستحب أن يزور المشاهد التي بالمدينة، وهي نحو ثلاثين موضعاً، يعرفها أهل المدينة، فيقصد ما قدر عليه منها. وكذلك يأتي الآبار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها أو يغتسل، وهي سبعة آبار فيشرب منها ويتوضأ، وينبغي له مدة إقامته في المدينة أن يلاحظ بقلبه جلالتها، وأنها البلدة التي اختارها الله تعالى لتنزيل وحيه، ولهجرة نبيه صلى الله عليه وسلم ومدفنه، ويستحضر تردده فيها ومشيه في بقاعها، وتردد جبريل، عليه السلام، عليه. ويستحب أن يصوم بالمدينة ما أمكن ويتصدق على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم، لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أذكركم الله في أهل بيتي) (٧) .

فإذا أراد الزائر السفر ودع المسجد بركعتين، وأتى القبر الشريف، وألقى السلام كما تقدم.


(١) ابن ماجة ج ١/ كتاب المساجد والجماعات باب ١٣/٧٧١.
(٢) مسلم ج ٢/ كتاب الحج باب ٩٢/٥٠٢.
(٣) التوبة: ١٢٨.
(٤) مسلم ج ٢/ كتاب الجنائز باب ٣٥ /١٠٢. والبقيع: مدفن أهل المدينة، وسمي بقيع الغرقد لغرقد كان فيه، وهو نوع من الشجر.
(٥) مسلم ج ٢/ كتاب الحج باب ٩٧/٥٢٠.
(٦) مسلم ج ٢/ كتاب الحج باب ٩٧/٥١٦.
(٧) مسند الإمام أحمد ج ٤/ ص ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>