للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابع عشر: سلامة الإمام من الأعذار: أي يشترط أن يكون الإمام سليماًمن الأعذار كسلس البول والإسهال المستمر وانفلات الريح، وإن كانت إمرأة يشترط أن تكون سليمة من الاستحاضة، فكل هؤلاء لا تصح إمامتهم لغيرهم (لأنهم أخلُّوا بشرط من شروط صحة الصلاة) وتجوز لأمثالهم.

خامس عشر: أن لا يكون الإمام عاجزاً عن القيام (باستثناء الإمام الراتب إن كان يرجى برؤه من عجزه عن القيام) أو الركوع أو السجود أو القعود لأنه يخل بركن من أركان الصلاة. ⦗٢٦٩⦘

سادس عشر: لا يشترط لصحة الجماعة صحة صلاة الإمام بمذهب المأموم، لأن العبرة بشروط صحة الصلاة لمذهب الإمام فقط، فلو اقتدى مالكي أو حنبلي بحنفي أو شافعي لم يمسح جميع الرأس في الوضوء فصلاته صحيحة لصحة الإمام في مذهبه. أما ما كان شرطاً في صحة الاقتداء فالعبرة فيه لمذهب المأموم، فلو اقتدى مالكي أو حنبلي في صلاة فرض بشافعي يصلي نافلاً فصلاته باطلة، لأن شرط الاقتداء اتحاد صلاة الإمام والمأموم.

أولى الناس بالإمامة:

أ- أحق الناس بالإمامة من حيث الصفات:

-١- أقرؤهم (١) لكتاب الله تعالى: لأن القراءة ركن في الصلاة فكان القادر عليها أولى كالقادر على القيام مع العاجز عنه بدليل الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم. وأحقهم بالإمام أقرؤهم) (٢) ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لما قدم المهاجرون الأولون نلوا العَصَبَة (٣) قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم فكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآناً، زاد الهيثم وفيهم عمر بن الخطاب وأبو سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنهما) (٤) وروى أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله. فإن كانوا في القرءة سواءً. فأعلمهم بالسنُّة. فإن كانوا في السنة سواء. فأقدمهم هجرة. فإن كانوا في الهجرة سواء. فأقدمهم سِلْماً (٥) . ولا يُؤمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه. ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه) قال الأشجع في روايته: (مكان سلماً سِنَّاً) (٦) . وقيل لأبي عبد ⦗٢٧٠⦘ الله عن حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس) (٧) أهو خلاف حديث أبي مسعود؟ قال: لا، إنما قوله لأبي بكر عندي يصلي بالناس للخلافة، يعني أن الخليفة أحق بالإمامة وإن كان غيره أقرأ منه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه بالصلاة يدل على أنه أراد استخلافه.

قال استوو بالقراءة قدم أكثرهم قرآناً) ، وإن كان أحدهم أكثر حفظاً والآخر أقلَ لحناً وأجودَ قراءة فهو أولى لأنه أعظمً أجراً في قراءته.

-٢- الأفقه: إن استووا في القراءة قدم أفقههم، لحديث أبي مسعود المتقدم (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة) ، ولأن الفقه يحتاج إليه في الصلاة للإِتيان بواجباتها وسننها وجبرها إن عرض ما يحوج إليه فيها.

-٣- الأسن: فإن استووا في القراءة والفقه قدم الأسن (أكبرهم سناً) ، لحديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي، فلما أردنا الإقفال من عنده قال لنا: إذا حضرنا الصلاة فأذَّنا، ثم أقيما وليؤمكما أكبركما) (٨) . وظاهر قول الإمام أحمد: أنه يقدم أقدمهما هجرة ثم أسنهما، لأنه ذهب إلى حديث أبي مسعود رضي الله عنه المتقدم وهو مرتب.

-٤- الأشرف: أي أعلاهم نسباً وقدراً، لما روى أبو حثمة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعلموا قريشاً وتعلموا منها ولا تقدموا قريشاً ولا تأخروا عنها) (٩) . ⦗٢٧١⦘

-٥- الأتقى والأورع: إن استووا في الخصال السابقة قدم أتقاهم وأورعهم، لأنه أشرف في الدين وأفضل وأقرب في الإجابة. قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (١٠) ، ثم أعمرهم للمسجد وأتمهم مراعاة له.

-٦- وإن استووا في الخصال السابقة أقرع بينهم، لأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أقرع بينهم في الآذان فالإمامة أولى.

-٧- الحر أولى بالإمامة من العبد، أما إمامة العبد فتصح لما روي (أن أبا عمرو ذكوان كان عبداً لعائشة فأعتقته، وكان يقوم لها في شهر رمضان يؤمها وهو عبد) (١١) ، وروي أيضاً أن ابن مسعود وحذيفة وأبا ذر وأناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدَّموا أبا سعيد مملوكاً لأبي أسيد فصلى بهم.

والحاضر أولى من المسافر، والبصير أولى من الأعمى في الإِمامة، لأن البصير أقدر على توقي النجاسة واستقبال القبلة، والحضري (من نشأ في المدن أو القرى) أولى من البدوي (من نشأ في البادية) ، والمتوضئ أولى من ضده.


(١) الأجود قراءة.
(٢) مسلم: ج-١/ كتاب المساجد باب ٥٣/٢٨٩.
(٣) موضع في المدينة عند قباء.
(٤) أبو داود: ج-١/ كتاب الصلاة باب ٦١/٥٨٨.
(٥) سِلماً: أي إسلاماً.
(٦) مسلم: ج-١/ كتاب المساجد باب ٥٣/٢٩٠.
(٧) مسلم: ج-١/ كتاب المساجد باب ٢١/٩٤.
(٨) مسلم: ج-١/ كتاب المساجد باب ٥٣/٢٩٣.
(٩) البيهقي: ج-٣ /ص ١٢١.
(١٠) الحجرات: ١٣.
(١١) البيهقي: ج-٣ /ص ٨٨.

<<  <   >  >>