للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حكم مانع الزكاة:

أ- من أنكر وجوب الزكاة فقد كفر (إلا إن كان جاهلاً معذوراً كأن كان جديد العهد بالإسلام فيعرّف بذلك ولا يحكم بكفره) وحكمه حكم المرتد. ⦗٣٤٨⦘

ب- من منعها رغم اعتقاده بوجوبها أخذها الإِمام منه وعزّره، فإن لم يستطع الإِمام أخذها منه استتابه ثلاثاً فإن تاب وأخرج ترك وإلا قتل وأُخذت من تركته. وإن لم يكن أخذها بالقتال قاتله الإِمام، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (والله لو منعوني عناقاً (١) ، كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعها) (٢) .

شروط وجوب الزكاة:

-١- الإسلام: فلا تجب على الكافر الأصلي ولا المرتد.

-٢- الحرية: فلا تجب على العبد ولا المكاتب. أما إن ملك المعتق بعضه بجزئه الحر نصاباً لزمه زكاته.

-٣- تمام الملك، الملك التام هو أن يكون المال بيده لا يتعلق به حق للغير، ويتصرف فيه على حسب اختياره وفوائده له لا لغيره. وعليه لا تجب الزكاة:

-١ً- في الدين على المكاتب لنقصان الملك فيه وعدم استقراره فإن المكاتب بملك تعجيز نفسه

-٢ً- في المال الموقوف لأنه لا مالك معين له.

-٣ً- في حصة المضارب من الريح قبل القسمة لأنه لا يملكها بعينها.

-٤- في المال المتعذر كالدين على مفلس أو على جاحد ولا بينة للدائن به، والمغضوب، والضال الذي لا يرجى وجوده لأن ملكه فيه غير تام لأنه غير مقدور عليه. أما من له دين على مليء، أو مال يمكن استخلاصه كالمجمود الذي له بينه، والمغضوب الذي يتمكن من أخذه فهذا عليه زكاته إذا قبضه لما مضى.

وكذا صداق المرأة حكمه حكم الدين ولو قبل الدخول، فإن كان الزوج مليئاً أو غير جاحد وجبت فيه الزكاة، لا يلزمها الإخراج حتى تقبضه فتؤدي ⦗٣٤٩⦘ عما مضى من السنوات، أما إن كان الزوج معسراً ويتعسر عليه الدفع، أو جاحداً ولا بينة لها فلا تجب فيه الزكاة.

أما ما سقط من الصداق قبل قبضه بطلاق الزوج قبل الدخول مثلاً فليس فيه القسم الساقط زكاة، وكذلك كل دين سقط قبل قبضه من غير إسقاط صاحبه أو تلفه فليس فيه زكاة.

فإذا أبرأت المرأة زوجها من صداقها أو أبرأ الغريم غريمه من دينه، فعليها زكاة الصداق أو الدين عن الأعوام الماضية لأنهما يكونان كمن تملك ماله ثم انصرف فيه.

-٤- ملك النصاب: فتجب الزكاة على من ملك نصاباً خالياً من دين، أما من ملك نصاباً وعليه دين يستغرقه أو ينقصه فلا زكاة فيه سواء كان الدين حالاً أو مؤجلاً، وسواء كان من الأموال الباطلة مثل الدراهم والدنانير وعروض التجارة أو من الأموال الظاهرة كالمواشي والزروع والثمار، لما روى البيهقي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال بمحضر من الصحابة: (هذا شهر زكاتكم. فمن كان منكم عليه دين فليقض دينه حتى تخلص أموالكم فتؤدوا منها الزكاة) (٣) . رواه أبو عبيد في الأموال ولم ينكر فكان إجماعاً. ومن مات وعليه دين وزكاة لا تتسع تركته لها قسمت بينهما بحصصهما، لأنهما تساويا في الوجوب فيتساويا في القضاء.

-٥- مضي الحول لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استفاد مالاً، فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه) (٤) . ورفقاً بالمالك ليتكامل النماء فيواسي منه، فإن استفاد مالاً بإرث أو هبة فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول، إلا نتاج السائمة وربح التجارة ولو لم يبلغ نصاباً فإن حولهما حولّ أصلهما فيجب ضمها إلى ما عنده إن كان نصاباً، ولا يعتبر الحول في الخارج من ⦗٣٥٠⦘ الأرض. وإن لم يكن الأصل نصاباً فحول الجميع من كمال النصاب، فلو ملك خمساً وثلاثين شاة فنتجت شيئاً فشيئاً فحولها من حين بلوغها أربعين. وكذلك لو ملك ثمانية عشر مثقالاً وربحت شيئاً فشيئاً فحولها منذ بلغت العشرين. ولا يبني الوارث على حول الموروث، فإن ورث أربعين شاة في ربيع وكان بدء حولها عند مورثها في محرم فإن حولها عند الوارث يبدأ في ربيع من حين دخولها ملكه.

وإن هلك النصاب أو واحد منه أثناء الحول أو باعه انقطع الحول، فإذا ولدت له أخرى مكانها أوردت إليه استأنف الحول سواء ردت إليه ببيع جديد أو إقالة ما لم يكن قاصداً الفرار من الزكاة فلا تسقط. أما إن نتجت واحدة أولاً ثم هلكت واحد لم ينقطع الحول لأن النصاب لم ينقص، وكذلك إن أبدل نصاباً بجنسه لم ينقطع الحول.

ولا يشترط لوجوب الزكاة البلوغ والعقل، لأن الزكاة تتعلق بالمال فتجب في مال الصبي والمجنون، ويخاطب بها وليهما ويخرجها عنهما، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: (ألا مَن وَلى يتيماً له مالٌ فليتجر فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) (٥) . وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (ابتغوا بأموال اليتامى لا تستهلكها الزكاة) (٦) .

ولا يشترط في وجوبها أيضاً إمكان الأداء، لما روى علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) (٧) . فيدل بمفهومه على وجوبها فيه عند تمام الحول، فلو تلف النصاب بعد تمام الحول ضَمِن الزكاة ولم تسقط عنه سواء كان مفرطاً أو لم يفرط في التلف، لأنه مال وجب بالذمة فلا يسقط بتلف النصاب كالدين كما أنه لا تسقط الزكاة بموت من تجب عليه لأنه حق واجب تصح الوصية به فلا يسقط بالموت كدين الآدمي. ⦗٣٥١⦘


(١) العناق: الأنثى من أولاد المعز.
(٢) البخاري: ج-٢/ كتاب الزكاة باب ٣٩/١٣٨٨.
(٣) البيهقي: ج-٤ /ص ١٤٨.
(٤) الترمذي: ج-٣ / كتاب الزكاة باب ١٠/٦٣١.
(٥) الترمذي: ج-٣ / كتاب الزكاة باب ١٥/٦٤١.
(٦) الدارقطني: ج-٢ /ص ١١١.
(٧) أبو داود: ج-٢/ كتاب الزكاة باب ٤/١٥٧٣.

<<  <   >  >>