للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا:

-١ مَاهِيَّتُها:

هيَ حَرْفٌ فيه مَعْنى الشَّرطِ والتَّوكيد دائماً، والتفصيلِ غالباً، يَدُلّ على الأَوَّل: لزومُ الفاءِ بعدها نحو {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُون أنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ. وأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذا أَرَادَ اللَّهُ بِهذا مثلاً} (الآية "٢٦" من سورة البقرة "٢") وهي نَائِبَةٌ عَنْ أَدَاةِ الشَّرطِ وجُمْلَتِهِ، ولهذا تُؤَوَّلُ بـ "مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيء".

ويدل على الثاني: أَنَّك إذا قصدْتَ توكيد "زيدٌ ذاهبٌ". قلتَ: "أَمَّا زيدٌ فَذَاهِبٌ" أيْ لا محالة ذاهبٌ. ويَدُلُّ على التَّفْصِيلِ استقراءُ مواقعِها نحو: {أَمَّا السَّفينَةُ فَكَانَتْ لِمساكينَ يَعْمَلُونَ في البحْر وأَمَّا الغُلامُ وأَمَّا الجِدَارُ} (الآية "٧٨ و ٧٩ و ٨٠" من سورة الكهف "١٨") الآيات ونحو: {فَأَمَّا اليَتِيمَ فلا تَقْهَر، وأَمَّا السَّائِل فلا تَنْهَرْ} (الآية "٩ - ١٠" من سورة الضحى "٩٣") .

وَقَدْ يُتْرَكُ تَكْرَارُهَا اسْتِغْنَاءً بذكرِ أحَدِ القِسْمَيْن عنِ الآخَرِ، أو بِكَلاَمٍ يُذْكَرُ بَعْدَها. فالأوَّلُ: كقولِه تَعَالى: {فأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بالله واعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ في رَحْمَةٍ مِنْهُ وفَضْلٍ} (الآية "١٧٥" من سورة النساء "٤") . والثاني: نحو: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنه ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ} (الآية "٧" من سورة آل عمران "٣") أيْ وأَمَّا غيرُهُمْ فيُؤمِنُونَ بِهِ ويَكِلُون مَعْنَاهُ إلى رَبِّهِمْ. وقد يَتَخلَّفُ التَّفصيل كقولك: "أَمَّا عليٌّ فمُنْطَلِقٌ". كما تَقدَّم.

-٢ وُجُوبُ وُجُودِ الفاءِ بعدَها وقد يجبُ حَذفُها.

لا بُدَّ من "فَاءٍ" تَالِيَةٍ لِتالي "أما" لِمَا فيها مِنْ مَعْنى الشَّرْط، ولا تُحذَفُ إلاَّ إذا دَخَلَتْ عَلى "قَوْلٍ" قد طُرح استِغْنَاءً عنه بالمَنْقُول، فيَجِبُ حذفُها معه نحو: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم} (الآية "١٠٦" من سورة آل عمران "٣") أي فَيُقَالُ لهم: أَكَفَرْتُمْ. ولا تُحْذَفُ في غير ذلك إلاَّ في ضَرورةٍ كقول الشاعر يَهْجُو بَني أسَد:

فَأَمَّا القِتَالُ لا قِتَالَ لَدَيْكُمُ ... وَلَكِنَّ سَيْراً فِي عِرَاضِ المَوَاكِبِ

(لا قتال: خبر، والرابط إعادة المبتدأ بلفظه. وخبر لكن محذوف التقدير: لديكم)

-٣ دخولُ "أما" على أَدَاة الشَّرْط:

إذا اجْتَمَعَ شَرْطَان "أَمَّا وإنْ الشَّرْطية" كان الجوابُ للسَّابق مِنْهُما فَأَغْنَى عن جَوَابِ الشَّرْطِ الثاني، وذلكَ إذا كانَ فِعْلُ الشَّرْطِ ماضِيَ اللَّفْظ نحو قوله تعالى: {وأمَّا إنْ كانَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمين فَسَلامٌ لكَ مِنْ أصْحَابِ اليَمين} (الآية "٩٠ - ٩١" من سورة الواقعة "٥٦") . الفاءُ في جواب "أما" والفاءُ وما بَعْدَها يسُدَّان مَسَدَّ جَوَاتِ "إن".

-٤ ما يُفْصَلُ بَيْنَ "الفاءِ" و "أما":

يُفْصَلُ بَيْنَ "الفَاءِ" و "أما" بالمبتدأ نحو: "أَمَّا مُحَمَّدٌ فَمُسَافِرٌ" أو بالخَبَر نحو: "أَمَّا في الدَّارِ فإبراهيمُ" أو بِجُمْلَةِ الشَّرْط نحو قوله تعالى: {فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} (الآية "٨٨ - ٨٩" من سورة الواقعة "٥٦") . أو باسمٍ مَنْصُوبٍ بالجوابِ نحو {فَأَمَّا اليَتيمَ فَلا تَقْهَرْ} (الآية "٩" من سورة الضحى "٩٣") . أو باسمٍ مَعْمُولٍ لمَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَ الفاء، نحو: "أَمَّا مَن قَصَدَكَ فأغِثْه" أو بظرْفٍ مَعْمُولٍ لـ "أما" نحو "أَمَّا اليَوْمَ فَإِنِّي ذَاهِبٌ". ويقول سيبويه: واعلم أن كُلَّ موضعٍ تقع فيه "أنَّ" تقع فيه "أنَّما" فمن ذلك قولُه تعالى: {قُلْ إنَّما أَنَا بَشَر مِثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ أَنَّما إلهُكُمْ إلهٌ وَاحِدٌ} (الآية "١١٠" من سورة الكهف "١٨") .

وقال ابْنُ الأطْنَابة:

أبْلِغْ الحَارِثَ بنَ ظَالِمَ المَوْعِدَ والنَّاذِرَ النذورَ عَلَيّاً

إنما تَقْتُلُ النِّيامَ ولا ... تقْتُلُ يَقْظَانَ ذَا سِلاَحٍ كَمِيّاً

<<  <  ج: ص:  >  >>