للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البَدَل (ويسميه الكوفيون: تكريراً كما نقل عنهم ابن كيسان، ونقل الأخفش: أنهم يسمونه الترجمة والتبيين.) :

-١ تعريفه:

هو تابعٌ، بِلا واسِطَةِ عَاطفٍ، مقصودٌ وحْدَه بالحُكْمِ، والمتبوعُ ذُكِرَ توطئِةً له، ليكونَ كالتَّفسير بعدَ الإِبهام ولا يَتَبَيَّن البَدَلُ بغيره، لا تَقُول: " رأيتُ زَيْداً أبَاه" والأبُ غَيرُ زيدٍ، ويَصحُّ أَنَّ يُوافِقَ البَدَلُ المُبْدلَ مِنْهُ ويُخَالِفَه في التَّعريف والتَّنْكِيرِ، فَيَصحُّ عِندَ البَصْريين إبدالُ المَعْرِفَةِ مِنَ النَّكِرَةِ، والنَّكرَةِ من المَعْرِفَةِ، والمَعْرِفَةِ من المَعْرِفة، أمَّا الأول كقولك: مررتُ برجلٍ زيدٍ، ومثلُه: {وإنك لَتَهْدي إلَى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ} (الآية "٥٢ - ٥٣" من سورة الشورى "٤٢") ، وأمَّا الثَّانِي فنَحْو مَرَرْتُ بزَيْدٍ رجلٍ صالِحٍ، ومثله: {لَنَسْفَعَاً بِالنَاصِيةِ ناصِيةٍ كاذِبَةٍ} (الآية "١٥ - ١٦" من سورة العلق.) والثالث نحو {أهْدِنَا الصِّراطَ المُسْتَقِيم صِرَاطَ الَّذِين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (الآية "٥" من سورة فاتحة الكتاب "١") .

-٢ أقسامه:

البَدَلُ أَربعَةُ أَقْسام:

أ - بَدَلُ كلِّ مِنْ كُلِّ ويُسمَّى المُطَابِق.

ب - بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُل.

ج - بَدَلُ الاشْتمال.

د - البَدَل المُبَايِنُ، وهاكَ بَيَانَها:

(أ) بَدَلُ كلٍّ من كلٍّ أوِ المطابق، هو بدلُ الشَّيءِ مِمَّا يُطابقُ مَعْنَاه، نحو: {اهْدِنَا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (الآية "٦" من سورة الفاتحة "١") ، ونحو: " رأيت زيداً أَخَا عَمْرو"، وأخَا عَمْرٍو تَصِحُّ بَدَلاً وصِفَةً.

(ب) بَدَلُ بعضٍ من كل:

هُوَ بَدَلُ الجُزْءِ من كلِّه قَلَّ أو كَثُرَ أو ساوَى، يَقُول سيبويه في بَدَل البَعْض: وهو أنْ يتكلم فيقول: " رأيت قَومَك" ثم يَبْدو لَهُ أَنْ يُبَيِّن مَا الَّذِي رأى منهم، فيقول: ثلثيهم ناساً مِنْهُم. ولا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِه بضَمِيرٍ يَرجِعُ عَلى المُبدَلِ منه، إمَّا مَذكُورٍ نحو "أكَلْتُ الرَّغِيفَ نصْفَه" أو مُقدَّرٍ نحو: {وَللَّهِ عَلى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاع إليهِ سَبِيلاً} (الآية "٩٧" من سورة آل عمران "٣") أي من اسْتَطَاعَ مِنْهُمْ.

(جـ) بَدل الاشْتمال: هو بَدَلُ شَيءٍ من شَيْءٍ يَشْتَمِلُ عَامِلُهُ على مَعْنَاهُ إجْمالاً لأنَّهُ يَقْصِد قَصْدَ الثَّاني ولا بُدَّ فيه مِن ضَميرٍ كسَابِقِه، إمَّا مَذكُورٍ نحو: "سُلِبَ زَيدٌ ثَوبُه"، لأَنَّ مَعْنَى سُلِبَ: أُخِذَ ثَوْبُه ومثله: " سَرَّني الحاكِمُ إنصَافُهُ" أو مُقدَّر نحو قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحابُ الأخْدُودِ النَّار ذَاتِ الوَقُودِ} (الآية "٤ - ٥" من سورة البروج "٨٥") أي النار فيه، ومثلُ ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: {يَسْأَلُونَكَ عن الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فيه} (الآية "٢١٧" من سورة البقرة "٢") .

(د) البَدَلُ المُبَاين:

هُوَ ثَلاثَةُ أقْسَام، وتَنْشَأُ هذه الأقسامُ من كونِ المُبْدَلِ منه قُصِدَ أوْلاً، لأنَّ البدلَ لا بُدَّ أن يَكُونَ مَقْصوداً فالمبْدَلُ منه إنْ لم يكنْ مقصوداً البتة - وإنما سَبَقَ اللسانُ إليه - فهو "بَدَلُ غَلَط" أي بَدَلٌ سَبَبُهُ الغَلَطُ، لا أنه نفسَه غَلطٌ.

وإنْ كَانَ مَقْصُوداَ، فإن تَبَيَّنَ بعد ذكرِهِ فَسَادُ قَصْدِهِ، فـ " بَدل نِسْيان" أي بَدلُ شَيء ذُكِرَ نِسياناً، وإن كانَ قُصِدَ كلُّ واحِدٍ من المبدلِ منه والبَدَل صحيحاً فـ "بَدَل الإِضراب" فإذا قلت: " اشْتَريْتُ لَحْماً خبزاً" فهذا صَالِحٌ للثَّلاَثَةِ بالقَصْدِ، والأَحْسَنُ أَنْ يُؤْتَى لهَذِه الأَنْواع بـ " بَلْ".

-٣ تَوَافُقُ البَدَل والمُبْدل منه وعدمُ توافُقِه.

لاَ يَجِبُ توافُقُ البَدَلِ والمبدَلِ منه تَعْريفاً وتَنْكِيراً، فتارةً يكونان مَعْرفتين، نحو: " جَاءَ أَخُوكَ عليٌّ" وأخرى نَكِرَتَيْنِ نحو: {إنّ لِلْمُتَّقِينَ مفازاً حَدَائِقَ} (الآية "١٣ - ٣٢" من سورة النبأ "٧٨"، أو مُخْتَلِفَتَينِ نحو: {إنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ الَّلهِ} (الآية "٥٢ - ٥٣" من سورة الشورى "٤٢") ، {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} (الآية "١٥ - ١٦" من سورة العلق "٩٦") وقد تقدم.

وأمَّا الإِفْرادُ والتَّذْكِيرُ وأَضْدَادُهُما فيَجِبُ التَّوافُقُ فِيها إنْ كَانَ بَدَلَ كلِّ، إِلاَّ إنْ كانَ أحدُهما مَصْدَراً، أو قَصْدَ التَّفصِيل، فلا يُثَنَّى ولا يُجْمعُ نحو {مَفازاً حدائقَ} وقول كثيِّر عزَّة:

وكُنْتُ كذِي رِجْلَين رِجْلٍ صَحيحةٍ ... ورِجْلٍ رَمَى فِيها الزَّمَانُ فَشَلَّتِ

وإنْ كان غَيْرَ "بدل كُل" لم يَجِبِ التَّوافقُ نحو" سَرَّني العُلَماءُ كِتَابُهم".

"أكلتُ التَّفَاحةَ ثُلُثَيْها".

-٤ الإِبدالُ من الضَّمِير:

لا يُبْدَلُ مُضْمرٌ من مُضْمَرٍ، ولا يُبْدَلُ مُضْمَرٌ مِنْ ظَاهِرِ هَذَا عندَ الأكثرين (أمَّا سيبويه فيقول:: "فإنْ أردتَ أن تجعَل مُضْمراً بَدلاً من مُضمَرٍ، قلت: "رأيتُكَ إيَّاهُ" و "رأيتُهُ إيَّاهُ" ويقول: "واعلم أنّ هذا المُضْمَر يجوزُ أن يكون بَدَلاً مِن المظهر" كأنك قلت: " رأيت زيداً " ثم قلت "إياهُ رَأيت" ومثّل المُبرِّد بقوله" زيد مررت به أخيك".) ويجوزُ العكسُ أي الظاهر من مضمر مُطْلقاً إنْ كَانَ الضَمِيرُ لَغَائِبٍ نحو: {وأسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِين ظَلَمُوا} (الآية "٣" من سورة الأنبياء "٢١") بِشَرْط أنْ يكونَ بَدَلَ بَعْضٍ نحو: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ واليَوْمَ الآخِرَ} (الآية "٢١" من سورة الأحزاب "٣٣") . وقول غُويل بن فرج:

أَوْعَدَني بالسِّجْنِ والأَداهِمِ ... رِجْلي، ورِجْلي شَثْنَةُ المَنَاسِمِ (الأداهم: جمع أدهم وهو القيد، المناسم: جمع مَنْسَم: وهو خف البغير، استعير للإِنسان، وشثنة المناسم: أي غَلِيظتها، والشاهد فيه "رِجْلي" فإن بَدل بعض من الياء في أَوعَدَني.)

أو بَدَل اشتمالٍ كَقَوْل النابغة الجَعْدِي:

بَلَغنا السَّماءَ مَجْدُنا وسَنَاؤُنَا ... وإنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَراً (هذا البيت من قصيدةَ أنشدها بين يَدَي النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال إلى أينَ المظهر يا أبا ليلى، فقال: الجنة، فقال: أجَلْ إن شاء الله، الشاهد: قوله" مَجدُنا " فإنه بدلٌ اشتمال من الضمير المرفوع.) .

أو بَدَلُ كُلِّ مُفِيدٍ للإِحَاطَةِ والشُّمول نحو: {تكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنا وآخِرِنا} (الآية "١٤٤" من سورة المائدة "٥" فـ " لأوَّلِنا وآخِرِنَا" بدل من "لنا" يفيد الشمول والإحاطة.) . ويمتنع إنْ لم يُفِدِ الإِحَاطة.

-٥ البَدَلُ مَن مَضَمَّن مَعْنَى الاسْتِفْهَام أو الشَّرْط:

إذا أُبْدِلَ مِنْ اسْمٍ مُضَمَّن مَعْنى "همزة" الاستفهام أو "أنْ" الشَّرْطِية أُتيَ "بالهمزةِ" للاستِفْهام وبـ " إن" للشَّرطِيَّة، فالاستفهام نحو: " مَنْ عِنْدَكَ أسَعيدٌ أَمْ عَليٌّ"، و" كَمْ مَالُكَ أَعِشْرُونَ أَمْ ثَلاثُون"، و "ما صَنَعْتَ أَخَيْراً أَمْ شَرّاً". والشرط نحو: " مَنْ يُسافِرْ إنْ خالدٌ وإنْ بَكْرٌ أُسافِرْ مَعَه" و "ما تَصْنَعْ إنْ خَيْراً وإنْ شَرّاً تُجْزَ بِهِ".

-٦ البَدَل مِن الفِعل:

كما يُبْدَلُ الاسْمُ مِنَ الاسمِ يُبْدَلُ الفعلُ مِنَ الفِعلِ بَدَلَ كلٍّ مِنْ كلّ نحو قول عبد الله بن الحرّ:

مَتى تَأتنَا تُلْمِمْ بَنَا في دِيارِنا ... تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً ونَاراً تَأَجَّجا

وبَدَلَ اشْتِمال نحو: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً، يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ} (الآية "٦٨ - ٧٩" من سورة الفرقان "٢٥") وقوله:

إنَّ عَلَيَّ اللَّهَ أَنْ تُبَايِعَا ... تُؤْخَذَ كَرْهاً أَوْ تَجيءَ طَائِعاً

ولا يُبْدَل الفِعْلُ بَدَلَ بعضٍ، ولا غَلَطٍ، وأَجازَهُمَا جَماعَةٌ، ومثلوا للأوَّل بقولهم: " إنْ تُصَلَّ تَسْجُدْ لله يَرْحَمْكَ". وللثاني نحو" إنْ تُطْعِمْ الفقير نَكْسُه تُثَبْ على ذلك". والدَّلِيل على أن البَدَلَ في الأمْثِلَةِ هو الفِعلُ وحْدَه ظُهُورُ إعْرَاب الأولِ على الثاني.

-٧ بَدلُ الجُملةِ من الجُمْلة، والجملة من المفرد:

تُبدَلُ الجملة من الجملة إنْ كانتِ الثانيةُ أَبْينَ من الأولى، نحو: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونْ أَمَدَّكُمْ بأنْعَامٍ وبَنِينَ} (الآية "١٣٢ - ١٣٣" من سورة الشعراء "٢٦") .

وتُبْدَلُ الجُمْلَةُ من المُفْردِ كقولِ الفَرَزْدَق:

إلى اللَّهِ أَشْكُو بالمَدِينةِ حَاجَةً ... وبالشَّامِ أُخْرَى كَيْفَ يَلْتقيان

أَبْدَلَ "كَيْفَ يَلْتَقِيَان" من "حَاجَةً وأُخْرَى" أي إلى الله أشكُو هَاتَيْنِ الحَاجَتَين تَعَذُّرَ التِقَائِهِمَا.

-٨ قد تكون "أنَّ" بدلاً مما قبلها:

وذَلِكَ قولُك: "بَلَغَتْني قِصَّتُكَ أَنَّكَ فَاعِلٌ" و "قدْ بَلَغني الحديثُ أنَّهم مُنْطَلِقُون" فالمعنى: بَلَغَنِي أنَّك فاعِلٌ، وبَلَغَنِي أنَّهُمْ مُنْطَلِقُون. ومن ذلك: {وإذْ يَعِدْكُمْ اللَّهُ إحْدَى الطائِفَتَيْنِ أنَّها لَكُمْ} (الآية "٧" من سورة الأنفال "٨") فإنَّها مُبْدَلَةٌ من إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مَوْضُوعَةٌ في مكانها، كأنَّك قلتَ: وإذْ يَعُدِكُمُ اللَّهُ أَنَّ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لكُمْ، فقَد أبْدَلْتَ الآخِرَ مِن الأَوَّل، ومِنْ ذلِكَ قولُه عزَّ وجلَّ: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِن القُرُونَ أّنَّهُمْ إلَيْهِم لا يَرْجِعُون} (الآية "٣١" من سورة يس "٣٦") .

ومما جاءَ مُبْدَلاً من هذا الباب قولُه تَعَالى على لسانِ مُنْكِري البَعْث: {أََيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إذَا مُتُّم وكُنْتُمْ تُرَاباً وعِظَاماً أنّكم مَخْرِجُونَ} (الآية "٣٥" من سورة المؤمنون "٢٣") فكأنه قال: أيَعِدُكثم أنَّكم مُخْرَجُون إذا مُتُّم.

-٩ كلماتٌ يَصحُّ فيها البَدَلُ والتَّوكِيدُ والنَّصب على أنها مفعول:

تقول: "ضُرِبَ عبدُ اللَّهِ ظَهْرُهُ وبَطْنُهُ" و "ضرِبَ زيدٌ الظَّهرُ والبَطْنُ" و "قلِبَ عُمْرٌو ظَهْرُهُ وبَطْنُهُ" و" مُطِرْنَا سَهْلُنا وجَبَلُنَا" و" مُطِرْنا السَّهْلَ والجَبَل". فإنْ شِئت جَعَلْتَ ظَهْرَه في المَثَلِ الأَوَّل، والظهرَ في الثانِي، وعمروٌ في المَثَلِ الثَّالث، وسَهْلُنا في الرابع، والسَّهلُ في الخامس - بدلاً، وإن شِئْتَ جَعَلتَه توكيداً بِمَنْزِلَةِ أجْمَعِين - أي يَصِير البَطْنُ والظَّهْرُ توكيداً لعبدِ اللَّه، إذ المَعْنَى ضُرِب كُلُّه، كَمَا يَصِير أجْمَعُون توكِيداً للقَوْم - وإن شِئْت نَصَبْتَ - أي عَلَى المفعولية - تَقُول: " ضُرِبَ زَيْدٌ الظَّهرَ والبَطْنَ" و" مُطِرَنا السَّهلَ والجَبَلَ" و "قلِبَ زيدٌ ظَهْرَه وبَطْنَه" - كُلُّها بالنصب والمعنى أنَّهُمْ مُطِروا في السَّهلِ والجَبَل وقُلِبَ على الظَّهرِ والبَطْنِ، ولكنهم أجَازُوا هذا كما أجَازُوا قَولَهُمْ: " دَخَلتُ البَيْتَ" وإنما مَعْناه: دَخَلْتُ في البيت والعامِلُ فيه الفعل. ولم يُجِيزُوه - أي حَذْفُ حَرْفِ الجر - في غيرِ السَّهْل والبَطْن والجَبَل، كما لم يَجزُ: دخلتُ عبدَ اللَّهِ فجاز هَذا في ذَا وَحْدَه، كما لم يَجُزْ حَذْفُ حَرْفِ الجَرِّ إلاَّ فِي الأَماكِن في مثل: " دخلتُ البيت واختُصَّتْ بهذا. وَزَعَم (زَعَمَ هنا: بمعنَى قال.) الخليل رحمه الله أنهم يقولون: "مُطِرْنَا الزَّرْعَ والضَّرْعَ".

ومما لا يصح فيه إلاّ البَدَليَّة قولُه عزَّ وجلَّ: {وللَّهِ عَلى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ استطاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً} (الآية "٩٧" من سورة آل عمران "٣") مَنْ استطَاعَ أي منهم ومَنْ: بَدلُ بَعضٍ من الناس. ومِن هذا الباب قولُك: " بِعْتُ مَتَاعَك أسفَلَه قَبْلَ أعْلَاهُ" و "اشْتَرَيْتُ مَتَاعَكَ أسفَلَه أَسْرَعَ مِنَ اشْتِرَائي أعلاه". و "سقَيْتُ إبِلَكَ صِغَارَهَا أَحْسَنَ مِن سَقْيِي كِبارَها"، "ضَرَبْتُ النَّاسَ بَعْضَهم قَائَماً وبَعْضَهم قَاعِداً" فهذا لا يكون فيه إلاّ النَّصْبُ - أي على البَدَلِية - يقول سيبويه: لأنَّ مَا ذَكَرْتُ بعدَه ليسَ مَبْنِيّاً عليه فيكونَ مُبْتَدأً، ومِنْ ذَلِكَ قولُكَ: " مَرَرْتُ بمتاعِك بَعْضِه مَرْفُوعاً وبَعْضِه مَطْرُوحاً" فهذا لا يَكونُ مَرْفُوعاً - أي على الابتداء - وجَعَلْتَ مَرْفُوعاً ومَطْرُوحاً حَالَين من بَعضه، ولم تجعلْه مَبْنيّاً على المبتدأ يقول سيبويه: وإنْ لَمْ تَجْعلْه حالاً للمرور جازَ الرفع.

(يتبع ... )

<<  <  ج: ص:  >  >>