الحمد لله، والصلاة والسلام عليه سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه. أما بعد: فإن من تيسير القواعد العربية، وتذليل صعابها تسهيل مسالكها، وحسن ترتيبها، لا العبث بأصولها على الطريقة المعجمية، فلم يعد الوقت يتسع ليخوض المرء في كتب النحو والتصريف وشروحها وحواشيها ليله ونهاره ليظفر ببغيته، وجوال [وجواب؟؟] مسألته. وقد سبق علماء اللغة بوضع المعاجم لمفردات اللغة وفيها جميع ما يتعلق بها من معان، وقد كانت قبل ذلك مفرقة في كتب كثيرة، فمن اليسير جداً أن يجد امرؤ حاجته في معاجم اللغة من غير عناء. وكذلك بعض علماء النحو وضع لحروف المعاني، وبعض المبنيات من الأسماء ترتيباً على حروف المعجم، مثل كتاب الأزهية، ومغني اللبيب، والجنى الداني، وخيرهم المغني، وكلهم أفاد ويسر. وأول كتاب في النحو أكبر من متوسط صنف على الترتيب المعجمي كتاب "معجم النحو" الذي صنفته منذ عشر سنوات. وقد قلت في مقدمته: إنه "معجم لمعظم قواعد النحو وكلماته وحروفه، بله كلمات وتعابير صحيحة شهرت ووردت في كلام العرب والمؤلفين، وخفي إعرابها، ويصعب التماسها في كتب النحو" وطبع هذا المعجم ثلاث مرات: مرتين في دمشق، ومرة في إيران، وقرأه المهتمون بالعربية، ورأوا فيه ما يفيدهم، وما يريحهم من عنت المراجعة والخوض في الكتب. ولوحظ على هذا المعجم أن تكون مصادره كما جاء في مقدمته: إنه "لم يخرج عن كتب معروفة مألوفة موثوقة" والذي ينبغي أن تكون مصادره كتب الأقدمين من النحويين فهي أصح وأوثق، فاسترحت لهذه الملاحظة واستيقنت فائدتها، ولهذا صنفت هذا الكتاب:"معجم القواعد العربية" وجعلت أول مراجعه وأهمها الكتاب لسيبويه، والمقتضب للمبرد وغيرهما من كتب الأوائل، ثم كتباً أخرى كثيرة منها شرح المفصل لابن يعيش، وشرح الكافية لرضي الدين، ومنها كتب ابن هشام، وشروح ألفية ابن مالك، وهناك كتب كثيرة أخذت منها جملاً من القواعد والإعراب. وبهذا جاء النحو بهذا المعجم مستوفياً كافياً لا يحتاج معه إلى غيره. ولا يذهبن الظن بامرئ إلى أن يتصور أن هذا الكتاب صعب الفهم، بعيد الغور إذ كان أهم مصادره الكتاب لسيبويه والمقتضب للمبرد، فما بهذا الكتاب شيء صعب على من له بعض الملكة في فهم كلام النحاة، على أنني لم آل جهداً في تسهيل بعض ما يظن به الصعوبة، وهذا أقل ما في هذا الكتاب. ولتمام الفائدة فقد ضممت إلى النحو فن التصريف، ودمجه في الترتيب المعجمي، وذلك لأنه لا بد منهما في فهم العربية، ولا بد للنحو من التصريف ولا بد للتصريف من النحو، فإذا كان النحو ينظر إلى أواخر الكلم فإن التصريف ينظر إلى أصول الكلمة وزوائدها والتغيرات فيها، على أني لم أتبسط في التصريف تبسطي في النحو بل اكتفيت منه بما يحتاجه غير المختص. كما زدت إلى النحو والتصريف: الإملاء وهو تصوير اللفظ وله علاقة كبيرة فيهما، وقد صنفته على طريقة علماء العربية، وما كتبته من الإملاء جزء صغير لا يحتاج إلى أكثر منه، وقد ذيلت به هذا الكتاب. وظاهر ما يراد بالترتيب المعجمي، ونزيده إيضاحاً فنقول: ما من قاعدة أو كلمة إعرابية، أو حرف معنى أو قاعدة صرفية إلا تابع لحروف المعجم، فالمبتدأ بجميع ما يتعلق به تجده في الميم مع الباء، وكذلك الخبر تجده في الخاء مع الباء، ومثله الفاعل في الفاء مع الألف، وإن في الألف مع النون، ومثلها أخواتها تجد كل واحدة في حرفها الأول مع الثاني، ومثلها: ولاسيما، وكلما، وكذلك جميع أبواب التصريف خاضعة لهذا الترتيب. فالإبدال مثلاً تجده في الألف مع الباء، والإعلال تجده في الألف مع العين، والنسب: تجده في النون مع السين، ومثله: القلب، والفعل الثلاثي المجرد، وهكذا وها هو ذا "معجم القواعد العربية" بين يدي المهتمين بالعربية: نحوها وصرفها، وإملائها، وعسى أن يجدوا فيه غَنَاءً، وعسى أن يجدوا فيه علماً وفائدة، ومرجعاً ميسّراً نافعاً. وأنا أرجو من علماء هذا الشأن أن ينبهوني إلى ما يعرض لهم من رأي في كتابي هذا لعلي أستدركه في طبعة أخرى. أسأل الله أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يكون في جهدي بتأليفه بعض الإسهام في رفع شأن اللغة العربية لغة القرآن الكريم.