التَّعَجُّب:
-١ تَعْرِيفُه:
هو انْفِعَالٌ في النَّفْسِ عندَ شُعُورِهَا بما يَخْفَى سَبَبُهُ فإذا ظَهَرَ السَّبَبُ بَطَل العَجَب.
-٢ صيغُ التَّعَجُّب: للتَّعجُّب صِيَغٌ كَثِيرةٌ، منها قوله تعالى: {كَيْفَ تكْفُرُونَ بِاللَّهِ وكُنْتُم أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} (الآية "٢٨" من سورة البقرة "٢") وفي الحديث: (سُبحانَ اللَّهِ إنَّ المؤمِنَ لا يَنْجُس) .
ومن كلامِ العرب "لِلَّهِ دَرُّه فارِساً" والمُبَوَّبُ له في كُتُب العربيَّة صِيغَتانِ لا غَيْر ولا تَتَصَرَّفان: "ما أَفْعَلَهُ، وأَفْعِلْ به".
لاطِّرَادِهما فيه نحو "ما أَجْمَلَ الصِّدْقَ" و" أكْرِمْ بصَاحِبِهِ".
وَبِنَاؤُه أبداً - كما يَقُول سيبويه - من "فَعَل" و "فعِل" و "فعُل" و "أفْعَل".
-٣ الصِّيغةُ الأُولى "ما أفعَلَه": هذه الصِّيغةُ مُركبةٌ من "ما" و "أفْعَله" فَأَمَّا "ما" فهي اسمٌ إجْماعاً، لأنَّ في " أفْعَلَ" ضَميراً يعودُ عليها، كما أجْمَعُوا على أَنها مُبتدأ، لأنها مُجَرَّدَةٌ للإِسْنادِ إليها.
ثم اخْتَلَفُوا: فعِنْدَ سِيْبَوَيهِ أنَّ "ما" نَكْرَةٌ تَامَّةٌ بمعنى شَيء، وجازَ الابْتِداءُ بها لِتَضَمُّنها مَعْنى التَّعَجُّب وما بَعدَهَا خَبَر، فَمَوضِعُه رَفْعٌ.
وعِنْد الأَخْفَش: هي مَعْرِفَةٌ ناقِصَةٌ.
بِمَعْنى الذي، وما بعدَها صِلَةٌ فلا مَوضِعَ له، أَو نَكِرَةٌ ناقِصَةٌ وما بعدَها صِفةٌ، وعلى هذين فالخَبَرُ محْذُوفٌ وُجُوباً (وليس هذا القولُ بالمرضي كما في الرَّضي، لأنه حذف الخبر وجوباً مع عدم ما يَسُدُّ مَسَدَّه، وأيضاً ليس في هذا التقدير معنى الإبهام اللائق في التعجب كما كان في تقدير سيبويه) تقديرُهُ: شَيءٌ عظيم.
وأمَّا "أَفْعَل" فالصحيح (وهو قول سيبويه والكسائي) : أنها فِعلٌ لِلُزومِهِ مع ياءِ المُتكلِّم نونَ الوِقاية نحو "ما أَفْقَرَنِي إلى رحمةِ الله". ففتحتُه فَتحةُ بناءٍ، وما بعده مفعول به (وقال بقية الكوفيين: اسمٌ لِمَجِيئه مصغراً في قوله: "يا مَا أُمَيْلِح غِزْلاناً شَدَنَّ لنا" ففتحته فتحة إعراب) .
-٤ الصيغةُ الثانية "أَفْعِلْ به": أجْمعوا على فِعْلِيَّة "أفْعِلْ" وأكثرهم على أن لفظضه لَفظُ الأمر ومَعْناه الخبر، وهو في الأصل ماضٍ على صِيغة "أفعل" بمعنى صار ذا كذا، ثمَّ غُيِّرتِ الصِّيغةُ فقبح إسنادصيغةِ الأمر إلى الاسم الظاهر، فزيدَتْ الباءُ في الفاعل ليصيرَ على صورةِ المفعول به ولذلك التُزِمَتْ (وقال الفَرَّاء والزَّجَّاج والزَّمخشري وغيرهم: لفظه الأمر، وفيه ضمير للمخاطب، والباء للتعدية، فمعنى: "أجملْ بالصِّدق" اجعلْ يا مُخَاطَبُ الصدقَ جَميلاً أي صِفْه بالجمال كيفَ شِئتَ) .
-٥ شُروطُ فِعْلَيْ التَّعَجّب:
لا يُصاغُ فِعْلا التَّعَجُّب إلاّ مِمَّا اسْتَكْمَلَ ثَمانيةَ شُرُوط:
(الأَوَّل) أنْ يكونَ فِعلاً فَلا يُقال: ما أَحْمَرَه: من الحِمار، لأنَّه ليسَ بفعلٍ.
(الثاني) أن يَكونَ ثُلاثِياً فلا يُبْنَيَانِ مِنْ دَحْرَجَ وضارَبَ واستَخْرَج إلاَّ "أَفْعل" فيجوز مطلقاً (عند سيبويه) . وقيل يَمْتَنِعُ مُطْلَقاً، وقال َيجُوزُ إنْ كانت الهمزةُ لغير نقل (المراد بالنقل: نقل الفعل من اللزوم إلى التعدي، أو من التعدي لواحد إلى التعدي لاثنين، أو من التعدي لاثنين إلى التعدي لثلاثة وذلك بأن وضع الفعل على همزة) . نحو "ما أَظْلَم هذا الليل" و "ما أَقْفَرَ هَذا المَكَان".
(الثَّالث) أنْ يكونَ مُتَصَرِّفاً، فلا يُبْنَيَانِ من "نِعْمَ" و "بئْس" وغيرِهما مِمَّا لا يَتصَرَّف.
(الرابع) أَنْ يَكونَ معناه قَابلاً للتَّفاضُل، فلا يُبْنَيانِ من فَنِيَ وماتَ.
(الخامِس) أن يَكونَ تامّاً، فلا يُبنيان من ناقصٍ من نحو "كانَ وظَلَّ وباتَ وصارَ".
(السادس) أن يكونض مُثْبتاً، فلا يُبْنَيَانِ مِنْ مَنْفيٍّ، سواءٌ أكانَ مُلازِماً للنَّفيِ، نحو "ما عاجَ بالدَّواءِ" أي ما انْتَفَعَ بِهِ، أم غيرَ ملازِمٍ كـ " ما قام".
(السابع) أن لا يكونَ اسمُ فاعِلِه على "أفْعَلَ فَعْلاء" فلا يُبْنَيَانِ من: "عَرَج وشَهِل وخَضِرَ الزَّرعُ". لأنَّ اسمَ الفاعل من عَرَجَ "أَعْرَج" ومؤنثه "عَرْجَاء" وهكذا باقي الأمثلة.
(الثامن) أنْ لا يَكونَ مَبْنِيّاً للمفعول فلا يُنَيَان من نحو "ضُرِبَ" وبعضهم ويَسْتَثْنِي ما كان مُلازِماً لِصيغَةِ "فُعِلَ" نحو "عُنِيتُ بِحاجَتِكَ" و "زهِيَ علينا" فيُجيزُ " ما اَعْناه بِحاجَتِكَ" و "ما أزْهَاهُ عَلَيْنا".
فإنْ فَقَدَ فِعْلٌ أَحَدَ هذه الشُّروط، اسْتَعَنَّا على التَّعَجُّب وُجُوباً بـ " أشَدَّ أو أشْدِد" وشِبْهِهِمَا، فتَقولُ في التَّعَجُّب من الزائد على ثلاثة "أَشْدِد أو أَعْظِمْ بِهما" وكذا المَنْفيّ والمَبْنِيّ للمَفْعولِ، إلاَّ اَنَّ مَصْدَرها يكونُ مُؤَوَّلاً لا صَرِيحاً نحو "ما أكثرَ أنْ لا يقومَ" و "ما أعظَمَ ما ضُرِب" وأشْدِدْ بهما.
وأمَّا الجَامِدُ والذي لا يَتَفاوت مَعناه فلا يُتَعَجَّبُ منهما البَتْة.
وهُناكَ ألفاظٌ جاءَتْ عن العربِ في صِيغِ التَّعَجُّب لم تَسْتَكْمِلِ الشُّروطَ، فَهذِه تُحفَظُ ولا يُقاسُ عليها لِنُدْرَتها، من ذلك قولهم: "ما أخْصَرَه" من اخْتُصِرَ، وهو خُماسِيٌّ مبنيٌّ للمَفْعُول، وقولُهم "ما أَهْوَجَه وما أَحْمَقَه وما أَرْعَنَه". كأنَّهُمْ حَمَلوها على "ما أَجْهَلَه" وقولُهم: "اَقْمِنْ به" بَنَوْه من قولهم "ما أَجَنَّه وما أَوْلَعَه" من جُنَّ وَوُلِعَ وهما مَبْنِيَّان للمَفْعولِ.
-٦ حَذْفُ المُتَعَجّب منه:
يضجوزُ حذفُ المُتَعَجَّبِ مِنه في مِثلِ "ما أحْسَنَه" إنْ دَلَّ عليه دليلٌ كقولِ الشاعر:
جَزَى اللَّهُ عَنّي والجَزَاءُ بفضله ... رَبيعةَ خَيراً ما أَعَفَّ وأَكْرَما
أي ما أَعَفَّها وأكْرَمَها.
وفي مثل "أحْسِنْ به" إنْ كان مَعْطُوفاً على آخَرَ مَذكُورٍ مَعَه مثلُ ذلكَ المَحْذُوف نحو {أسْمعْ بهم وأبْصِرْ} (الآية "٣٨" من سورة مريم "١٩") ، أي بهم، أما قولُ عُرْوة بنِ الوَرْد:
فَذَلِكَ إنْ يَلْقَ المَنِيَّةَ يَلْقَها ... حَمِيداً وإنْ يَسْتَغْنِ يَوماً فأَجدِرِ
أي "فأجْدِرْ به" فشاذٌ.
-٧ لا يتقَدَّمُ معْمُولٌ على فِعْلَيِ التَّعَجُّب، ولا يُفصَلُ بَيْنَهما:
كلٌّ مِنْ فِعْلَي التَّعَجُّب جامِدٌ لا يَتَصَرَّف نظير "تَبارَكَ وعَسى" و "هبْ وتَعَلَّمْ". ولِهَذا امْتَنَعَ أن يَتَقَدَّمَ عَليْهما معمُولُهُما. وأنْ يُفْصَلَ بينَهما بِغَيرِ ظرفٍ ومجرُورٍ. فلا تقولُ: ما الصدْقَ أجْمَلَ، ولا بِهِ أجْمِلْ، ولا تقولُ: ما أجملَ - يا محمَّد - الصِّدْقَ، ولا أَحْسِنْ - لولا بخلُه - بزيدٍ.
أَمَّا الفصلُ بالظَّرف والمَجْرُور المتعلقين بالفعل، فالصَّحيح الجوازُ كقولهم: "ما أَحْسَنَ بالرَّجُلِ أنْ يَصْدُقَ" و "ما أقبَحَ به أن يَكذِبَ" ومثله قول أَوْسِ بنِ حجَر:
أُقِيمُ بدارِ الحَزْمِ ما دَامَ حَزْمُها ... احْرِإذا حَالت لأَنْ أَتَحَوَّلا
فلو تَعَلَّقَ الظَّرفُ والمَجْرورُ بمعمولِ فعلِ التَّعَجُّب لم يجز الفَصْلُ بهما اتفاقاً فلا يجوزُ نحو "ما أحْسنَ بمَعْرُوفٍ آمراً" و "ما أَحْسَن عِندَكَ جالِساً" ولا "أحسِنْ في الدَّارِ عِندكَ بِجالِسٍ".
-٨ شرطُ المَنْصُوبِ بعد "أفْعَل" والمجرورِ بعدَ "أفْعِل":
شَرْطُ المَنْصُوب بعد "أفْعَل" والمجرور بعد "أفْعِل" أن نكونَ مُخْتصاً لتحصل به الفائدةُ، فلا يجوزُ "ما أَحْسَنَ رَجُلاً" ولا "أحسِن بِرَجُلٍ".
-٩ التَّنازُع في التعجب:
يَتَنازَع فعلا التَّعَجُّب تقول: "ما أَحْسَنَ ومَا أَكْرَمَ عَلِيّاً" على إعمال الثاني، وحذف مفعول الأول، و "ما أحسَن وما أكْرَمه عليّاً" على إعمال الأول (شرح الكافية ج ١ ص ٧٣ - ٧٤) .
-١٠ مَعْمُول التَّجب بـ "كان" و "ما المصدرية":
تقول "ما أحسَنَ ما كان زيدٌ" فترفع زيد بـ "كان" وتجعل "ما" مع الفعل في تأويل المَصْدَر، التَّقْدِير: ما أحسنَ كَوْنَ زيدٍ.