للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التّمْييز:

-١ تعريفه:

ما يرفَعُ اٌلإبْهامَ المُسْتَقِرَّ عَنْ ذاتٍ مَذكورة، نَكرةٍ بمعنى مِن وهو مُفْرَد، أو نِسْبَةٍ وهو الجُمْلَة، وهاكَ التَّفْصِيل.

-٢ الاسمُ المُفْرد المُبْهم:

هو أربعة أنواع:

(١) العَدَدُ: نحو "أَحَدَ عَشَرَ كوكباً" (الآية "٤" من سورة يوسف "١٢") . وفي بحث "العدد" الكلامُ عليه مفصَّلاً. (العدد) .

(٢) المِقْدار: وهو ما يُعْرَفُ به كَمِّيَّةُ الأشياء، وذلِكَ: إِمَّا "مَساحة" كـ "ذِرَاعٍ أَرْضاً" أو "كَيْل" كـ "مُدٍ قَمْحاُ" و "صاعٍ تَمْراً" أو "وَزْن" كـ "رَطْلٍ سَمناً" ونحو قولك: "ما في السَّماء مَوْضِعُ كَفٍّ سَحاباً" و" لي مِثْلُه كِتاباً" و "على الأرَضِ مِثْلُها ماءً". و "ما في النَّاسِ مِثْلُه فَارساً". ونحو: "مِلءُ الإناءِ عَسَلاً" ومنه قوله تعالى: {مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْراً} (الآية "٧" من سورة الزلزلة "٩٩") ، وقوله تعالى: {وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً} (الآية "١٠٩" من سورة الكهف "١٨") .

(٣) ما كان فَرْعاً للتَّمْييز. وضابِطه: كلُّ فَرْع حَصَل له بالتَّفْريع اسْمٌ خاصٌّ، يليه أصْلُه، بحيث يَصِحُّ إِطْلاقُ الأصلِ عليه نحو "هذا بابٌ حديداً" و "هو خاتَمٌ فِضَّةً". وهذا النَّوعُ يَصِحُّ إطْلاقُ الأصلِ عليه نحو " هذا بابٌ حديداُ" و "هو خاتَمٌ فِضَّةً". وهذا النَّوعُ يَصِحُّ أَنْ يُعْرَبَ حالاً.

أمَّا النَّاصبُ للتمييز في هذِه الأنواعِ فهو ذلك الاسْمُ المُبْهم، وإنْ كان جَامِدَاً لأنَّه شبيهٌ باسْمِ الفاعل لِطَلَبه له في المعنى.

-٣ النسبةُ المبهَمَةُ:

نوعان:

(١) نسبةُ الفعلِ للفاعل نحو قوله تعالى: {اشْتَعَلَ الرَّأسُ شَيْباً} (الآية "٣" من سورة مريم "١٩") أصله: اشتَعَلَ شَيبُ الرأسِ.

(٢) نِسْبَةُ الفِعل للمَفْعُولِ نحو قوله تعالى: {وفَجَّرْنا الأرْضَ عُيُوناً} (الآية "١٢" من سورة القمر "٥٤") أصْله: وفَجَّرْنا عُيونَ الأرض. ومن مُبَيِّن النِّسبةِ: التَّمْييزُ الوَاقِعُ بعد ما يُفيدُ "التَّعَجُّب" نحو "أكْرِمْ بالشَّافِعي قُدْوةً" و "ما أَعْلَمَهُ رَجُلاً" و "للَّهِ دّرُّهُ إماماً".

والواقعُ بعد "اسم التفضيل" نحو "أنتَ أطْيبُ من غيرِكَ نَفْساً" "هو أشْجَعُ الناسِ رجلاً" و "هما خيرُ النَّاس اثْنَيْن" فرجُلاً واثْنَيْن انْتَصَبا على التمييز. وشَرْطُ وجُوبِ نَصْبِ التَّفْضيل للتميّيز كونُه فاعِلاً في المَعْنى، وذلك بأنْ يَصْلُحَ جَعْلُه فَاعِلاً، بعدَ تحويل اسمِ التَّفضيل فعلاً فتقول: "أنْتَ طَابتْ نَفْسُك".

أمَّا إذا لم يكُنْ فَاعِلاً في المعْنى، فيجب جرُّ التَّمْييز به، وضَابِطُه: أنْ يكونَ اسمُ التَّفْضِيل بعضاً من جِنْس التَّمْيّيز، بحيثُ يَصِحُّ وَضْعُ لَفْظ "بَعْضِ" مكاتَه نحو "أبو حنيفة أفقهُ رجُلٍ" و "هنْدٌ أحْصَنُ امرأةٍ" فيَصِحُّ أن تقول: "أبو حنيفةُ بَعْضُ الرِّجال" و "هنْدٌ بَعضُ النِّساءِ".

وَإِنَّما نَصبَ التَّمييز في نحو "حَاتمق أكرَمُ النَّاسِ رجُلاً" لتَعذُّرِ إضافةِ أَفْعلِ التَّفضيل مَرَّتَيْن والناصب له في هذه الأنواع: ما في الجملةِ من فعل مقدر كما تقدَّم أو شبههِ نحو "خالِدٌ كريمٌ عُنْصُراً".

-٤ من التمييز:

وذَلِكَ قولُك: "وَيْحَهُ رَجلاً" وأنتَ تُرِيدُ الثناءَ عليه. و "للَّهِ دَرُّهُ رَجُلاً" و "حسْبُك به مِنْ فارسٍ، ومِثلُ ذلك قولُ العباس بنِ مرداس:

ومُرَّةُ يَحْمِيهمْ إذا ما تَبَدَّدُوا ... ويَطْعَنُهُم شَزْراً فأبْرَحْتَ فَارِساً

(يمدح مُرة بأنه إذا تَبَدَّدت الخيلُ في الغَارة رَدَّها وحَماها، ويطعنهم شَزْراً: الشَّزَر: ما كانَ في جانبٍ وهو أشَّد، وأَبْرحَتْ: تَبَيَّنَ فضلُك كما يَتَبَيَّنُ البَرَاح من الأرض، والشاهد: فارساً وهو منصوب على التمييز) فَكَأَنَّه قال: فَكَفَى بِكَ فَارِساً.

ومن ذلك قةلُ الأَعْشَى:

تقولُ ابْنَتِي حِينَ جَدّ الرَّحِيلُ ... فَأَبْرَحْتَ رَبّاً وأَبْرَحْتَ جاراً

(فأبرحَت ربّاً وأبْرَحَت جَاراً تمييزُ والمعنى: ظهرتَ وتبَيَّنْتَ رَبَّا وجَارَا)

ومثله: "أكْرِم به رَجُلاً".

-٥ التَّمْييزُ يَجُوزُ جرُّه بـ "مِنْ":

يَجوزُ جَرُّ التَّمييز بـ "مِن" نحو "عِنْدِي قِنْطارٌ مِنْ زَيْتٍ" و "قنْطَارٌ زَيْتاً" إلاَّ في ثلاثِ مَسَائل:

(١) تمييزِ العَدَد، نحو "لَهُ عِندِي عِشْرونَ دِرْهماً".

(٢) التمييز المُحوَّل عم المفعول نحو: "زَرَعْتُ الأرض قَمْحاً" و "ما أحْسَن العلم ثَمَرَةً".

(٣) ما كانض فاعِلاً في المعنى، سواءٌ أكان محوَّلاً عن الفاعل في اللفظ، نحو: "كَرُمَ عليٌّ نسباً" أم عن المبتدأ نحو "صالحٌ أكثرُ صِدْقاً" فأصله: صِدْقُ صالحٍ أكثر بخلاف "لله دِرّكَ فارساً" فإنه وإنْ كانَ فاعِلاً في المعنى، إذِ المعنى: عَظُمتَ فارِساً، إلاّ أنَّه غَيرُ مُحَوَّل عنِ الفاعِل صِناعَةً، ولا عَنْ المُبْتدَأ فيجوزُ دُخولُ "مِنْ" عَليه فتقول: "للَّهِ دَرُّكَ مِنْ فارِسٍ".

-٦ تمييزُ الذَّات والإضافة:

يجوزُ جَرُّ تَمْيّيز الذَّاتِ بالإضافَةِ نحو "اشْتَرَيْت قَيْرَاطَ أَرْضٍ" إلاَّ إذا كان الاسم عَدَداً مِنْ أَحَدَ عَشَر إلى تَسْعةٍ وتِسْعِين كـ "أرْبَعَةَ عَشَرَ قِرْشاً" أومُضَافاً نحو قوله تعالى: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} (الآية "١٠٩" من سورة الكهف "١٨") ،

وقوله تعالى: {مِلءُ الأرضِ ذَهَبَاً} (الآية "٩١" من سورة آل عمران "٣") .

-٧ تَقَدَّم التمييز على عامله:

لاَ يَتَقَدُّم التمييزُ على عَامِله في تمييز الذَّاتِ، وكذا النِّسبة إذا كان العَامِلُ فِعلاً جامِداً نحو "ما أَحْسَنَ عليّاً رَجُلاً" ونَدَر تَقدُّمُه على المُتَصَرِّفِ كقول رَجُلٍ من طيء:

أَنَفءساً تَطِيبُ بنيلِ المُنَى ... ودَاعِي المَنُونِ يُنادِي جِهَارَا

-٨ اتفاق الحالِ والتمييز:

يَتَّفق الحَالُ والتَّمْييز في خمسةِ أُمُور، وهي: أنهما اسْمان، نَكِرَتَان، فَضْلَتان مَنْصُوبَتَان، رَافِعتان للإبهام.

-٩ افْتِراق الحالِ عن التَّمييز:

تَفْتَرِق الحال عَنِ التَّمييز في سبعة أمور:

(١) أن الحَالَ يجيءُ جُملةً وظَرْفاُ ومجْروراً والتمييز لا يكونُ إلاَّ اسماً.

(٢) أنَّ الحَالَ قَد يَتَوقَّفُ مَعنى الكلام عليه نحو قولِه تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّماء والأرضَ وما بَيْنَهما لاعِبِين} (الآية "١٦" من سورة الأنبياء "٢١")

وليس كذلك التمييز.

(٣) أنَّ الحالَ مُبَيِّنَةٌ للهَيْئَات، والتمييزُ مُبَيِّنٌ للذوات أو النِّسَب.

(٤) أن الحال تتعدَّدُ بِخِلافِ التَّمْييز.

(٥) أنَّ الحالَ تتقدَّمُ على عَامِلِها إذا كان فِعْلاً مُتَصَرِّفاً أَوْ وَصْفاً يُشْبهه، ولا يجوزُ ذلِكَ في التَّمْييزِ على الصحيح.

(٦) حَقُّ الحَال الاشْتِقَاق، وحَقُّ التَّمْييز الجُمُود، وقد يَتَعَاكَسان، فَتَأتِي الحال جامِدَة كـ "هَذا مالُكَ ذَهَباً" ويأتي التَّمييزُ مُشْتَقّاً نحو "لِلّهِ دَرُّهُ فارساً".

(٧) الحَالُ تأتي مُؤكِّدةً لعامِلها بخلاف التمييز.

(٨) وتَقَدَّم أنَّ الحال بمعنى "في" والتَّمْييز بمعنى "مِن".

<<  <  ج: ص:  >  >>