للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجَارُّ والمَجْرُور:

-١ حُروف الجرّ:

حُرُوفُ الجَرّ عِشرون جَمَعَهَا ابنُ مالك في خُلاصتِه فقال:

هَاكَ حُروفَ الجرَّ وهي: مِنْ إلى ... حَتَّى خَلاَ حَاشَا عَدا في عَنْ عَلى

مُذْ مُنْذُ رُبَّ اللامُ كَيْ واوٌ وتا ... والكافُ والبا ولَعَلَّ وَمَتَى

-٢ أحْكامُها:

لحروف الجَرِّ أحكامٌ مختلفَةٌ تنْحصرُ في سبع فِئات:

الأولى: ثَلاثةٌ "خَلا، عَدا، حَاشَا".

(=كلاًّ في حرفه) .

الثانية: ثلاثةٌ أيضاً "كَيْ، لعلَّ، مَتى".

(=كلاًّ في حرفه) .

الثالثة: سبْعةٌ هي "مِنْ، إلى، عَنْ، عَلى، في، الباءُ، اللاَّمُ".

(=كلاًّ في حرفه) .

الرابعة: ثلاثةٌ وهي "حَتَّى، الكاف، الواو".

(=كلاًّ في حرفه) .

الخامسة: اثنان هما "مُذْ، مُنْذ".

(=مذ منذ) .

السادسة: رُبَّ (=رُبَّ) .

السابعة: التاء (=التاء) .

-٣ نيابة حروف الجر:

حُروفُ الجرِّ لا يَنوبُ بعضُها عَنْ بَعضٍ قِياساً، كما لا تَنُوبُ حُروفُ الجَزْم والنَّصب بعضُها عن بَعض (وهو مذهب البصريين) . وما أوْهَمَ ذلك فَمَحْمُولٌ على تضمين (انظر: التضمين في حرفه) مَعْنَى فِعلٍ يتعدَّى بذلك الحَرْف، أو على شُذوذِ النِيَابة في الحرف.

وجَوَّز الكوفيون نِيابَة بَعْضِها عن بَهْض قياساً، واختارَه بعضُ المتأخرين.

-٤ حذفُ حَرف الجر وبقاء عمله:

قد يُحذفُ حَرْفُ الجَرِّ - غيرَ ربَّ - ويَبْقى عَملُه، وهو ضَرْبان: سَمَاعيٌ غيْرُ مُطَّردٍ كقولِ رُؤْبة وقد قيل له: كَيفَ أصبحتَ؟ قال: خيرٍ عافاكَ الله، التقدير:

على خَيْرٍ، كقوله:

وكريمةٍ مِنْ آلِ قَيْس أَلَفْتُه ... حتَّى تَبَذَّحَ فارتقى الأعلامِ

(التاء في كريمة: للمبالغة، أَلَفته: أعطيته ألْفاً، "تبذَّح" تكبر، "الأعلام" الجبال، والشاهد: كسر الأعلام بحرف جر محذوف وهذا شاذ إن صَحَّتِ القَافِيَةُ.

أيْ إلى الأعلامِ.

قياسيٌّ مُطَّرِدٌ في مواضعَ أشهرها:

(١) لفظ الجلالةِ في القَسَم دُون عِوَض نحو: "اللَّهِ لأفْعَلَنَّ كَذا" أي والله.

(٢) بَعدَ كَمْ الاستفهاميَّة إذا دَخَلَ عليها حَرفُ جَرٍّ نحو: "بكم درهمٍ اشتريتَ" أي من درهم.

(٣) لام التعليل إذا جرَّتْ "كي" وصلتها نحو: "جئت كي تكرِمَني" إذا قَدَّرْت "كَيْ" تَعْليلية أي لكَي تُكْرِمني.

(٤) مع "أنَّ" و "أنْ" نحو "عجبتُ أَنَّكَ قادمٌ" و "أنْ قَدِمتَ" أي مِنْ أنَّك قَادمٌ ومِن أنْ قَدِمْتَ.

(٥) المعطوفُ على خَبَرِ "لَيْس وما الحجازية" الصالحُ لِدُخول الجَارِّ كقول زُهير:

بَدَا ليَ أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ مَا مَضى ... ولا سَابقٍ شَيْئاً إذا كانَ جائيا

فَخَفَضَ "سَابِق" (ورواية الديوان: سابقاً بالنصب فلا تصلح شاهداً) على توهُّم وُجود الباء في مُدْرك.

ومثاله في "ما الحجازيَّة" "ما زيدٌ عالماً ولا متعلِّمٍ" (والغالب في هذا وأمثاله السماع فقط) . أي التقدير: ما زيدٌ بِعَالِمٍ ولا مُتَعَلَّمٍ.

(٥) متَعَلَّقُ الجارِّ والمجرور والظرف:

لا بُدَّ لِكُلٍّ من الجارِّ والمَجْرور والظَّرفِ مِنْ مُتَعَلَّق يَتَعلَّقُ به، لأنَّ الجَارَّ يُوصِل مَعْنَى الفِعلِ إلى الاسْم، والظَّرفَ لا بُدَّ له مِنْ شَيْءٍ يَقعُ فيه، فالموصِلُ معناه إلى الاسم، والواقع في الظرف هو المُتَعلَّقُ العاملُ فيهما، وهو: إمَّا فِعْلٌ أو مَا يُشبهه من مَصْدر، أو اسْمِ فِعْلٍ، أَوْ وَصْفٍ ولو تَأْويلاً نحو: {وَهُو اللَّهُ في السَّمَواتِ وَفي الأَرْضِ} (الآية "٣" من سورة الأنعام "٦") . فالجَارُّ متعلِّق بلفظِ الجَلالة، لتأويلِه بالمَعْبُود، أو المُسَمَّى بهذا الاسم ومِثلُه قولُه تَعَالى: {وهُوَ الذي في السَّماءِ إلهٌ، وفي الأرضِ إله} (الآية "٨٤" من سورة الزخرف "٤٣") في السماء متعلق بـ "إله" لأَنَّه بمعنى مَعْبود.

وهَلْ يَتَعَلَّقَان بالفِعْل النَّاقص؟: عِندَ المبرِّد والفَارِسِي وابن جني: لا يَتَعَلَّقان لأَن الفعلَ الناقصَ عندَهم لا يَدُلُّ على الحَدَث.

وعِنْدَ آخَرين من المُحقِّقين: أنَّ النواقصَ كلَّها تَدلُّ على الحَدَثِ ولِذلك يُمكِن أنْ يَتَعَلَّقا بها، واسْتَدَلَّ المُجوِّزُون: بقوله تعالى: {أكَانَ للنَّاسِ عَجَباً أنْ أوْ حَيْنا} (الآية "٢" من سورة يونس "١٠") فإنَّ اللام بـ "لِلناس" لا تتعلق بـ "عَجباً" لأنه مصدر مؤخَّر، ولا بـ "أَوْحَيْنَا" لِفَسَادِ المعنى لِذلكَ عَلَّقوها بـ "أكان" على أنَّه يَجوزُ أنْ يَتعلَّق بمَحذُوف حَالٍ من "عَجَباً" لِتَقدُّمه عَليه على حَدِّ قوْلِه:

"لِمَيَّةَ مُوحِشاً طَلَلُ"

أمَّا تَعَلُّقهما بمحذوف، فَيجبُ فيه ثمانية أمُور:

(١) أَنْ يَقَعَ صِفَة نحو: {أوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السماء} (الآية "١٩" من سورة يونس "١٠") .

(٢) أنْ يَقَعا حَالاً نحو: {فَخَرَجَ على قَوْمِه في زينَتِهِ} (الآية "٧٩" من سورة القصص "٢٨") .

(٣) أن يقعَا صِلَة نحو: {وَلَه مَنْ في السَّمَواتِ والأرضِ ومَنْ عِنْدَه لا يَسْتَكْبرون} (الآية "١٩" من سورة الأنبياء "٢١") .

(٤) أن يقعَا خَبَراً نحو: "خَالدٌ عِندَك" أو "عَمْرٌو في بَيْتِه".

(٥) أن يَرْفَعَا الاسمَ الظاهر نحو {أفي اللَّهِ شَكٌّ} (الآية "١٠" من سورة إبراهيم "١٤") . ونحو "أعِنْدَكَ زيدٌ".

(٦) أن يُستَعمل المتعلّق محذُوفاً كقولك لمَنْ ذَكَرَ أمْراً تَقَادَمَ عَهدُهُ "حِيْنَئِذٍ الآنَ" أصلُه: كانَ ذَلكَ حِينَئِذٍ واسْمَعِ الآنَ، وَقَوْلِهم للمُعَرِّس "بالرَّفَاء والبَنين" أي أعْرَسْت بالرِّفَاء والبَنين.

(٧) أن يكونَ المتعلَّق مَحْذُوفاً على شَرِيطةِ التَّفْسير نحو "أيومَ الجمعةِ صُمتَ فيه" أي أصمتَ يومَ الجُمعةِ.

(٨) القَسَمُ بغير الباء نحو قوله تعالى: {واللَّيلِ إذا يَغْشى} (الآية "١" من سورة الليل "٩٢") ، وقولِه: {تاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم} (الآية "٥٧" من سورة الأنبياء "٢١") ولو صَرَّح بالمتعلَّق لوجَبَتِ البَاء (=القسم) .

ويُسْتثنى من التَّعلِيث خَمْسةُ أحْرُفٍ:

(١) حَرْف الجرِّ الزائد، كـ "الباء ومِن" نحو: {كَفَى بِاللَّهِ شَهيداً} (الآية "٧٨" من سورة النساء "٤") . {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} (الآية "٣" من سورة فاطر "٣٥") .

(٢) "لَعَلَّ" في لُغَةِ عَقيل، لأنها بمنزلةِ الزَّائد.

(٣) "لَوْلا" فيمنْ قال: "لولايَ ولولاكَ ولولاه" وعِند سيبويه ما بعد "لَوْلا" مَرْفُوعُ المحَلّ، وهو الأصحُّ.

(٤) "رُبَّ" في نحو: "رُبَّ رجلٍ صَالحٍ لَقِيتُ".

(٥) حُرُوفُ الاسْتِثْنَاء وهيَ "خَلا وعَدَا وحَاشَا" إذا خَفَضْنَ. "=في حروفهن".

<<  <  ج: ص:  >  >>