للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رُبَّ: حَرْفُ جَر لا يَجُرُّ إلاَّ النَّكِرَةَ، ولا يَكُونُ إلاّ فِي أولِ الكَلاَمِ، وهو في حُكْمِ الزَّائِدِ، فلا يَتَعَلَّقُ بِشَيءٍ وقد يَدْخُلُ على ضَمِيرِ الغَيْبةِ مُلازِماً للإِفْرَادِ والتَّذْكِيرِ، والتَّفْسِير بتمييزٍ بعدَه مُطابقٍ للمَعْنى كقول الشَّاعِرِ:

رُبَّهُ فِتْيَةً دَعَوْتُ إلى ما ... يُورِثُ المجْدَ دَائباً فَأجَابُوا

وهذا قليل.

وقد تدخل "مَا" النكرة الموصوفة على "رُبَّ" وتوصف بالجملة التي بعدها، نحو قول أمية بن أبي الصَّلْت:

رُبَّما تَكْرَهُ النُّفُوس من الأَمْـ ... رِ لهُ فُرْجَةٌ كَحَلِّ العِقَالِ

والتَّقْدير: رُبَّ شيءٍ تكْرَهُهُ النُّفُوسُ، وضمير له يعود على ما. وقد تلحق رُبَّ ما الزَّائِدَةَ فَتكُفُّها عن العَمَل فتدخُل حِينَئِذٍ على المَعَارِف وعلى الأَفْعَال فتَقُول: "رُبَّما عليٌّ قَادمٌ" و "ربَّما حَضَرَ أَخُوكَ". وقد تَعْمَلُ قَلِيلاً كقولِ عَدِيّ الغَسَّاني:

رُبَّما ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ صَقِيلٍ ... بَيْنَ بُصْرى وطَعْنَةٍ نَجْلاءِ

والغَالِبُ على "رُبَّ" المَكْفُوفَةِ أنْ تَدْخُل على فِعْلٍ ماضٍ كقول حذيمة:

"رُبَّما أَوْفَيْتُ في عَلَم" وقد تَدْخُلُ على مُضارعٍ مُنَزَّلٍ منزلةَ الماضِي لِتَحَقُّق الوقوع نحو قَولِه تعالى: {رُبَّما يَودُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} (الآية "٢" من سورة الحجر "١٥") ونَدَرَ دُخولها على الجُملَةٍ الاسْمِيَّةِ كقولِ أَبي دُؤاد الإِيادي:

رُبَما الجَامِلُ المُؤَبَّلُ فيهم (الجامل: القطيع من الإبل، المؤبل: المعد للقنية)

ومعنى "رُبَّ" التَّكْثِير، وتَأْتي للتَّقليل فالأَوَّلُ كقوله عليه الصلاة والسلام: (يا رُبَّ كاسِيَةٍ في الدُّنْيا عَارِيةٌ يَوْمَ القِيامة) . والثاني كقول رجلٍ من أزْد السَّراة:

ألا رُبَّ مَوْلُودٍ وليس لهُ أبٌ ... وذِي وَلَدٍ لمْ يَلْدَهُ أبوانِ

(سكنت اللام من يلده تشبيهاً بكتف فالتقى ساكنان حركت الدال بالفتح اتباعاً للياء)

وقد تُحذَفُ "رُبَّ" ويَبْقَى عملُها بعد الفاءِ كثيراً كقولِ امرِئ القَيسِ:

فَمِثْلِكِ حُبْلى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ ... فَأَلْهَيْتُها عنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ

(طرق: أتى ليلاً، "التمائم" التعاويذ، "محول" أتى عليه حول)

وبعدَ الواوِ أكْثر كقولِ امْرئ القَيس:

ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أرخى سُدُولَه ... عَلَيَّ بأَنْوَاعِ الهُمُومِ لِيَبْتَلي

(السدول: الستائر واحدها: سدل، ليبتلي: ليختبر)

وبعدَ "بَلْ" قليلاً كَقَولِ رُؤْبة:

بلْ بلدٍ ملءُ الفِجاج قَتَمُهْ ... لا يُشْتَرى كَتَّانُه وجُهْرُمُهْ

(الفِجاج: جمع فج: الطريق الواسع الواضح بين جَبلين. "القَتَم": الغبار، "جُهْرُم" أراد: جُهْرُمِيّة بياء النسبة وهي بُسُط الشَّعر تُنْسَب إلى قرية بفَارس تُسَمَّى جُهْرُم.

وبدونهن أقلّ كقولِ جَميل بن مَعْمر:

رَسْمِ دَارٍ وَقفتُ في طَلَلِهْ ... كِدْتُ أَقْضِي الحياةَ مِنْ جَلَلَه

(الرسم: آثار الدار "الطلل" ما شخص من آثارها "من جلله" من أجله)

<<  <  ج: ص:  >  >>