للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَطْفُ النَّسَق:

-١ تَعْرِيفُه:

هو تابعٌ يَتَوَسَّطُ بَيْنَه وبينَ مَتْبُوعِه أَحَدُ حُرُوفِ العَطْفِ الآتي ذِكرُها.

-٢ أقْسَامُ العَطْف ثلاثةٌ:

(أحدُها) العطفُ على اللَّفط - وهو الأصل- نحو "ليس أحمدُ بالعَالمِ ولا القَانِتِ" وشرطُهُ: إمْكانُ تُوجُّهِ العَامِلِ إلى المَعْطوف.

(الثاني) العَطْفُ على المَحلِّ نحو "ليس عمرُ بجائعٍ ولا تَعِباً" ولِهَذا ثَلاثةُ شُرُوط:

"أ" إمْكانُ ظُهورِه في الفَصِيح، فيجوزُ بقولكَ "ليسَ عَلِيٌّ بقائمٍ" أن تَقُول: "ليس عليٌ قائماً" فَتَسْقُط "الباء"، وكذلك "ماجَاءني مِن أحدٍ" أن تقولَ: "ما جاءَني أحدٌ" بإسقاط "مِن".

"ب" أنْ يكونَ الموضعُ هوَ الأصل فلا يجوزُ "هذا آكِلٌ خبزاً وزيْتونٍ" لأنَّ الوصفَ المستوفي للشروط الأصلُ إعمالُهُ لا كإضافتُه.

"ج" وجُودُ المُحرِز أي الطّالِب لِذلكَ المَحَل.

ويَبْتَني على اشْتِراطِ هذا امتناعُ مَسَائل منها:

"١" "إنَّ زيداً وعَمروٌ قائِمان"

(وأجاز ابنُ مالك هذا، وضابطه العطف بالرفع على منصوب "إن" في خلاصته:

وجائز رَفْعُك مَعْطوفاً على ... مَنْصوبِ إنَّ قبل أن يَسْتَكْمِلا) وذلك لأنَّ الطالبَ لرفع زيدٍ هو الابتداءُ، والابتداءُ هو التجرُّدُ، والتَّجَرُّدُ قَدْ زالَ بدُخُول "إن".

"٢" "إنَّ زيداً قائمٌ وعَمْروٌ" بعطف "عمروٍ" على المَحَلِّ لا المُبْتَدَأ.

"٣" "هذا مَانِحُ أخِيه ومُحَّمداً الخيرَ" بنصبِ محمداً على محل أخيه.

(الثالث) العَطْفُ على التَّوَّهُم، نحو: "ليسَ بَكْرٌ بَائِعاً ولا مُشْتَرٍ" بخَفْص مُشْترٍ على تَوَهُّم دُخُولِ الباء، في الخَبَرِ، وشَرطُ جَوَازِهِ صِحَّةُ دُخُولِ ذلكَ العامِل المُتَوهَّم، وشَرطُ حُسْنِه كثرةُ دُخولهِ هناك ولهذا حسُنَ قولُ زُهيرٍ:

بَدَا ليَ أنَّي لستُ مُدْرِكَ ما مَضَى ... ولا سَابقٍ شَيئاً إذا كانَ جائِياً

وقول الآخر:

ما الحَازِمُ الشَّهمُ مَقْداماً ولا بَطَل ... إنْ لمْ يَكُوْ للهَوَى بالحق غَلاَّبا

ولم يَحْسُن قَوْلُ الآخر:

وماكنتُ ذا نَيْربٍ فيهم ... ولا مُنْمِشٍ فيهمُ مُنْمِلِ

(النيرب: النميمة، ومُنْمشن ومنمل: أي نمام) .

لِقِلَّةِ دُخُولِ البَاءِ عَلى خَبَرِ "كَانَ" بِخِلافِ خَبَرَيْ "لَيسَ" و "ما". وكما وَقَع هذَا العَطْفُ في المجرُور، وقَع في المجزُوم، وقال به الخليلُ وسِيبويه، في قوله تعالى: {لَوْلا أخَّرْتَنِي إلى أَجَلٍ قَريبٍ فأصَّدَقَ وأكُنْ" (الآية "١٠" من سورة المنافقون "٦٣") قالا: فإن معنى لولا أخَّرتني فأَصَّدقَ: وأكُونَ على الأصل. وكذلِكَ وقَعَ في المَرْفُوع، قال سيبويه: واعلَمْ أنَّ نَاساً مِنَ العَرَب يَغْلَطُون (أي يتوهَّمُون على ما مَرَّ) فيقولون: "إنَّهم أَجْمَعُون ذَاهِبُون" وذلك على أنَّ معناهُ معنى الابتداء، والتقدير: هم أجمعون.

-٣ حروف العطف:

هو "الواوُ، الفَاءُ، ثُمَّ، حَتَّى، أَمْ، أَوْ، لَكِنْ، بَلْ، لا، لا يكون، لَيْسَ".

(=كُلاًّ في حرفه) .

والأصلُ بالعَطْفِ أنْ يكونَ على الأَوَّل إلاَّ في حُرُوف التَّرْتِيب.

-٤ حُرُوفُ العَطْفِ نَوْعان:

"مَا يَقتَضِي التَّشْريكَ في اللفظِ والمَعْنى مُطْلَقاً، وهو أَرْبعة: "الوَاوُ، الفَاءُ، ثُمَّ، حَتَّى" أو مُقَيَّداً بشَرْط، وهو إثْنَان "أَوْ، أَمْ" وشَرْطُهُما ألاَّ يَقْضِيا إضْرَاباً.

" ما يَقْتَضي التَّشْريك في اللَّفْظ دُونض المَعْنى، إمَّا لِكُوْنِهِ يَثْبِتُ لِمَا بَعْدَه ما انْتَفَى عَمَّا قَبْلَه، وهو "بَلْ، وَلكِنْ"، وإمَّا لِكوْنه بالعكس وهو "لا" و "ليس".

-٥ أحكام تَششْترِكُ فيها الواو والفاء:

تَشْترِكُ الواوُ والفاءُ بأحكامٍ منها:

جَوازُ حَذفِهِما معَ مَعْطُوفِهِما لدلِيلٍ مثالُه في الوَوِ قَولُ النَّابِغَة الذُّبياني:

فَمَا كانَ بَيْنَ الخَيرِ لوجاء سالماً ... أبُو حَجَرٍ إلَّ لَيَالٍ قَلاّئِلُ

أيْ بَنْنَ الخَيرِ وبَنْني.

ومِثَالُه في الفاء {أَنِ اضرِبْ بِعَصَاكَ الحَجَر فانْبَجَسَت} (الآية "١٦٠" من سورة الأعراف "٧") ، أي فضَرَبَ فَانْبَجَسَتْ.

وجَوَازُ حَذْفْ المَعْطُوفِ عليه بهما، فمثالُ الواوِ قولُ بعضهم: "ولكَ وَأهلاً وسَهلاً" جواباً بك وأهلاً وسَهلاً، ومصالُ الفاءِ نحو {أَفَنَضرِبُ عَنكُمُ الذِّكرَ صَفْحاً} (الآية "٥" من سورة الزخرف "٤٣") ، أي أَنُهمِلُكُم فَنَضرِبُ عَنْكُم، ونحو {أَفَلَم يَرَوا إلى مَا بَينَ أَيدِيهِم وَمَا خَلْفَهُم} (الآية "٩" من سورة سبأ "٣٤") ، أي أَعَمُوا فَلَم يَرَوا.

-٦ العَطْفُ عَلى الضَّمير:

يُعْطَفُ عَلى الضَّمِيرِ المُنْفَصِلِ مَرْفُوعاً أو مَنصُوباً، وعلى الضَّمير المتَّصِلِ المَنصوبِ بغَيرِ شَرطٍ، نحو "أنتَ وزَيْدٌ تُسرِعَان" و "ما أَدعو إلاَّ إيَّاكَ وخَالِداً" ونحو قولِه تعالى: {جَمَعناكُم والأَوَّلينَ} (الآية "٣٨" من سورة المرسلات "٧٧") .

ولا يَحسُنُ العَطفُ على الضَّمير المتَّصلِ المَرْفُوعِ بَارِزاً كان أو مُستَتِراً إلاَّ بعدَ توكِيدِهِ بِضميرٍ مُنفَصلٍ نحو {لَقَد كُنتُم وآبَاؤُكُم في ضَلالٍ مُبِينٍ} (الآية "٥٤" من سورة الأنبياء"٢١") ، {اسكُن أنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ} (الآية "٣٥" من سورة البقرة "٢") أو بوُجُودِ فَصِلٍ ما، نحو {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ} (الآية "٢٣" من سورة الرعد "١٣") .

فَمَنْ معطوفَةٌ على الواو في يدخلونها أو وجُود فَصْلٍ بـ "لا" نحو {مَا أَشْرَكْنا وَلاَ آبَاؤنَا} (الآية "١٤٨" من سورة الأنعام "٦") .

ويَضْعُفُ العَطْفُ بدُونِ ذلك، نحو "مَرَرتُ برجُل سَوَاءٍ والعَدَمُ" بالرَّفع عَطفاً على الضَّمير المُستتر في سَوَاء لأَنّه بِتأويلِ مُسْتوٍ هُوَ والعَدَم، وهو في الشّعر كثير كقولِ جرير يهجو الأخْطل:

وَرَجَا الأُخَيطِلُ مِنْ سَفَاهَةِ رأيه ... مَا لَمْ يكُنْ وأبٌ لَهْ لِينَالا

عَطَفَ "أبٌ" على الضَّميرِ في "يَكُن" مِنْ غَيرِ تَوكيدٍ ولا فَصلٍ، ويَقِلُّ العَطْفُ على الضَّمِيرِ المَخْفُوضِ إلاَّ بإعَادَةِ الخَافِضِ حَرفاً كانَ أو اسْماً نحو {فَقَالَ لها ولِلأَرضِ} (الآية "١١" من سورة فصلت "٤١") ، {قَالُوا نَعْبُدُ إلهَكَ وإله آبَائكَ} (الآية "١٣٣" من سورة البقرة "٢") وَهُناك قرَاءةُ ابنِ عبّاس: {يَسَاءلُونَ بِهِ والأرحَامِ} (الآية "١" من سورة النساء "٤") بالخفض من غير إعَادَةِ الخافض، وحِكَايَةُ قُطْرُبٍ عن العَرَبِ "مَا فيها غَيرُه وفَرَسِه" بالهَفْضِ عَطفاً على الهاءِ من غيرِه.

-٧ عَطْف الفعل:

يُعْطَفُ الفِعل على الفِعل بشَرْطِ اتِّحادِ زَمَنَيْهِما، سَواءٌ اتَّحدَ نَوْعاهما نحو {لِنُحْيِيىَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً ونُسْقِيَهُ} (الآية "٤٩" من سورة الفرقان "٢٥") ، {وَإنْ تُؤمِنُوا وتَتَّقُوا يُؤتِكُم أُجُورَكُم ولا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} (الآية "٣٦" من سورة محمد "٤٧") ، أمِ اخْتَلَفا نحو {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأوْرَدهُمُ النَّارَ} (الآية "٩٨" من سورة هود "١١") ، {تَبَارَكَ الَّذي إنْ شَاءَ جَعَلَ لكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهَارُ ويجْعَلْ لكَ قُصُوراً} (الآية "١٠" من سورة الفرقان "٢٥") .

ويُعْطفُ الفِعْلُ عَلى الاسمِ المشبه له في المعنى نحو {فالمُغِيرَاتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} (الآية "٣ - ٤" من سورة العاديات "١٠٠") و {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} (الآية "١٩" من سورة الملك "٦٧") .

فالمُغِيرات في تَأويل: واللاَّتي أَغَرْنَ "صَافَّاتٍ" في معنى: يَصْفُفْن.

ويَجُوزُ العَكْسُ كقولِهِ:

يا رُبَّ بَيْضَاءَ مِنَ العَوَاهِج ... أُمُّ صَبيٍّ قَدْ حَبَا أو دَارِج

(العَوَاهج: جمع عَوْهج، وهو في الأصل الطويلةُ العُنُق من الظباء، وأرادَ بها المرأةَ، حَبَا: زَحَف، دَرَج الصبي: قارَبَ بين خُطاه) .

ومنه {يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ومُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ} (الآية "٩٥" من سورة الأنعام "٦") .

-٧ جوازُ حَذْفُ العَاطِفِ وحدَهُ نحو:

كيفَ أصْبحتَ كيفَ أَمْسيتَ مِمّا ... يَغْرِسُ الوُدَّ في فُؤادِ الكَرِيمِ

أَي: وكيفَ أَمْسَيْت، وفي الحديث: "تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِه، من دِرْهَمِه" أي: ومِنْ دِرْهمِه.

-٨ العَطْفُ على مَعْمولٍ عَامِلٍ:

أجْمَعوا على جَوازِ العَطفِ على مَعْمُولٍ عاملٍ واحدٍ نحو "إنَّ أباك آتٍ وأخَاكَ ذَاهبٌ" وعلى جواز مَعْمُولاَتِ عَامِلٍ نحو. أَعْلَمَ المُدير بَكراً المُدرسَ آتياً والأستاذُ خالداً أباه حَاضِراً".

وأجْمَعوا على مَنْعِ العَطْف على مَعْمُولى أكثَر مِن عَامِلَين نحو: "إنَّ زيداً ضاربٌ أبُوه (هذه اللام للتقوية) لِعَمروٍ وأخاكَ غُلامُه لبكرٍ" (على أن أخاك عطفٌ على زيد، وغلامُه عطفٌ على أبُوه، بكرٍ عَطفٌ على عمروٍ، والعامل في الثالث لام التقوية، وف الثاني ضاربٌ وفي الأول: إنَّ) ، أمَّا مَعْمولا عامِلَيْن، فغن لم يَكُنْ أَحدُهما جَارّاً فالأكثرُ امتِناعُه، وإنْ كان أحدُهما جارّاً فإن كان مُؤَخَّراً نحو "محمدٌ في العَمَل والبيت أخُوه" فهو - عند الأكثر - أيضاً مُمْتَنِع، وإن كان الجَارُّ مُقدَّماً نحو "في عَمَلِه محمدٌ والبيتِ أخوه" فمنع منه سيبويه والمبرد وابن السراج، وأجازه الأخفشُ والكسائي والفراء والزجاج. والأولى المنع منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>