للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(٦) تأنيث فِعلِه وجُوباً، وجَوازاً، وامتناعُ تأنيثِه:

إن كانَ الفاعِلُ مُؤَنَّثاً أُنِّثَ فِعلُه بِتَاءٍ سَاكِنَةٍ في آخِرِ الماضِي (جامداً كان الفعل أو متصرفاً، تاماً أو ناقصاً) وبِتَاءِ المُضَارَعَةِ في أوَّل المُضَارع.

ويَجبُ هذا التَّأنِيث في ثلاثِ مَسَائل:

(إحداها) أنْ يكونَ الفَاعِلُ ضَمِيراً مُتَّصلاً لِغَائِبَةٍ، حَقِيقِيَّةِ التَّأنيثِ أو مَجَازِيَّتِهِ (المراد بحقيقي التأنيث ماله آلة التأنيث والمجَازِي بخلافه.

فالحقيقية كـ "فاطمةُ تَعَلَّمَتْ أو تَتَعَلَّم"، والمجازيّة نحو: "الشَّجرَةُ أَثمرَتْ أو تُثمِر" (بخلاف الضمير المنفصل نحو "ما قام إلا هي" و "شجرة اللوز مَا أثمر إلاَّ هي" فتذكير الفعل واجب في النثر وجائز في الشعر وسيأتي في امتناع التأنيث.

ويجوزُ ترْكُ تاءِ التَّأنيثِ في الشِّعرِ مع اتصال الضَّمير إن كان التَّأنِيثُ مَجَازيّاً كقول عَامِر الطائي:

فَلامُزْنَةَ ودَقَتْ ودَقَها ... ولا أرْضَ أَبقَلَ إبقَالُها

(القياس: أبقلتْ، لأَنَّ الفاعل ضميرٌ مُؤنَّث متصل، ولكن حَذَف التاء للضرورة، يصف الشاعر: سحَابةً، وأرضاً نافعتين، و "المزنة" السَّحَابة البيضاء و "ودَق المطر" قطر "وأَبقلت الأرض" خَرج بَقلُها) .

ومثله قولُ الأعشى:

فَإمّا تَرَينِي وَلِي لِمَّةٌ ... فإنَّ الحَوَادثَ أَوْدَى بها

(القياس: أوْدَت لأنَّ الفاعل ضمير متصل، لكنه حذف التاء ضرورة و "اللِّمة" الشعر الذي يجاوز شحمة الأُذُن "أًوْدَى بها" أهلكها) .

(الثانية) أنْ يكُونَ الفَاعلُ ظاهراً مُتَّصِلاً، حَقِيقيَّ التَّأنيث (مفرداً أو مثنى أو جمع مؤنث سالماً) نحو: {إذْ قَالَتِ امرأَةُ عِمرانَ} (الآية "٣٥" من سورة آل عمران "٣") . وإنَّما جَازَ في فَصِيحِ الكَلامِ نحو: "نِعمَ المَرْأةُ" و "بئسَ المَرْأة" لأنَّ المُرادَ بالمَرْأةِ فِيها الجنسُ، وسيَأتي أَنَّ الجنسَ يجُوزُ فيه الوَجهَان.

(الثَّالثة) أنْ يكونَ ضميرَ جَمعِ تكسِير لِمُذكَّرٍغيرِ عَاقِلٍ نحو "الأيَّامُ بكَ ابتَهَجَتْ، أو ابتَهَجنَ". أوضَميرَ جمعِ سَلامةٍ أو تكسيرٍ لمُؤنَّثٍ نحو "الهِنداتُ أو الهَنود فَرِحَتْ أوْ فَرِحنَ".

ويَجُوزُ التَّأنيث في أربعةِ مواضع:

(أحدُها) أنْ يَكُونَ الفاعلُ اسماً ظاهِراً مَجَازِيَّ التَّأنيث نحو "أَثمر الشَّجَرةُ أوْأثمرتِ الشَّجرةُ" أو حَقِيقِيَّ التأنيث، وفُصِل من عَامِله بغَير"إلاَّ" نحو "سَافَرَأوْ سَافَرَتِ اليومَ فَاطمةُ" ومنه قولُ الشاعر:

إنَّ امرَءًا غَرَّهُ مِنكُنَّ واحِدِةٌ ... بَعدِي وبَعدَكِ في الدنيا لَمَغرُورُ

ومنه قولُ العَرب "حَضَرَ القاضيَ اليومَ امرأةٌ" والتَّأنيث أكثر ُ.

(الثاني) أنْ يكونَ جَمعَ تَكسِير (يعامل معاملة هذا الجمع: اسم الجمع كـ "قوم" و "نساء" واسم الجنس كـ "شجر" و "بقر") لِمُؤَنَّث أو لِمُذكَّر نحو "جاءَت أو جاءَ الغِلمانُ أو الجَواري".

(الثالث) أن يَكونَ ضميرَ جمعٍ مكسَّرٍعَاقِل نحو "الكَتيبَةُ حضرتْ أو حَضَرُوا".

(الرَّابعُ) أنْ يكونَ الفعلُ من باب "نِعمَ" نحو "نِعمَ أو نِعمتَ الفَتَاةُ هِندٌ" والتَّأنيث أجود - هذا فيما عُلِم مُذكَّره من مؤنَّثِه، أَمَّا في غَيره فَيُراعَى اللَّفظُ لعَدَمِ مَعرفَةِ حالِ المَعنى كـ "بُرغوث ونملَة" وكل ذلك في المُؤَنَّثِ الحقيقي.

أمَّا المجازيّ فذوا التاء مُؤنَّث جَوازاً، والمجَرَّدُ مُذَكَّرٌ وُجُوباً إلاَّ إنْ سُمِعَ تأنِيثُه كـ "شَمسٍ وأرْضٍ وَسَمَاءٍ".

ويمتَنِعُ التَّأنِيثُ في ثلاث صُوَرٍ:

(إحداها) أنْ يكونَ الفاعلُ مَفصُولاً بـ "إلاَّ" نحو "ما أقبلَ إلاَّ فاطمةُ" والتَّأنيثُ خاصٌّ بالشعر كقوله:

مَا بَرِئِتْ مِنْ رِيبَةٍ وَذَمٍّ ... في حَرْبِنَا إلاَّ بَنَات العَمِّ

(ثانِيها) أن يكونَ مُذَكَّراً مَعنَىً فَقَط، أو مَعنىً ولَفظاً، ظاهراً أو ضَميراً، نحو "اجتَهَدَ طَلحَةُ وعليٌّ سَاعَدَهُ".

(ثالثها) أنْيَكونَ جمعَ سلامَةٍ لِمُذَكَّرٍ نحو {قَدْ أَفلَحَ المُؤمِنُونَ} (الآية "١" من سورة المؤمنون "٢٣") .

(٧) اتِّصَالهُ بفعله وانفِصاله:

الأصل في الفاعل أن يتصلَ بفعلهِ، لأنَّه كالجُزْءِ منه، ثم يَجيءُ المَفعول، وقد يُعكس فَيَتَقَدَّم المفعولُ، وكُلُّ من ذلك جائزٌ وواجبٌ.

فأمَّا جَوازُ الأصلِ فنحو {وَوَرِثَ سُلَيمَانُ دَاوُدَ} (الآية "١٦" من سورة النمل "٢٧") .

وأمَّا وجوب تَقدِيمِ الفاعل ففي ثلاثِ مسائل:

"أ" أنْ يُخشَى اللَّبس بأن يكونَ إعرابُهما تقديريًّا (ويشمل ذلك أن يكون الفاعل والمفعول مقصورين، أو منقوصين أو إشارتين، أو موصوليين، أومضافين لياء المتكلم) ، ولا قرينة، نحو "أكرَمَ مُوسى عِيسى" و "كلَّم هَذا ذاكَ" فإنْ وُجدَت قَرينَةٌ جَازَ نحو "أكَلَ الكُمَّثرَى مُوسَى".

"ب" أن يكون الفاعل ضميراً غيرَ مَحصُور، والمَفعول ظاهراً أو ضميراً، نحو "كلَّمتُ عليًّا" و "فهَّمتُه المسألة".

"ج" أنْ يُحصَر المفعول بـ "إنما" نحو "أنَّما زَرَعَ زَيدٌ قَمحاً" أو بـ "إلاَّ" (وهذا عند الكوفيين) نحو "مَا عَلَّمَ عليٌّ إلاَّ أَخاه" وأجاز الأَكثَرُون (البصريون والكسائي والفراء) تَقديمَه على الفَاعِل عِندَ الحَصرِ بـ "إلاًّ" مُستَنِدين في ذلك إلى قولِ دِعبلِ الخزاعي:

ولَمَّا أبَى إِلاَّ جِمَاحاً فُؤَادُهُ ... ولمْ يسلُ عُنْ لَيلَى بِمالٍ ولا أهلِ

(فقدم المفعول المحصور بـ "إلا" وهو "جماحاً" على الفاعل وهو "فؤاده" والجماح هنا: الإسراع، وجواب "لما" في البيت بعده: تسلى بأخرى) وإلى قولِ مجنونِ بَني عامر:

تَزَوَّدتُ من لَيلى بتَكليمِ ساعَةٍ ... فَما زادَ إلاَّ ضِعفَ ما بي كَلامُها

(قدم أيضاً المفعول المحصور بـ "إلاَّ" وهو "ضعف" على الفاعل وهو "كلامها") .

وكذلك الحصر بـ "إنما" يجوز تقديمُ المفعول على الفاعل نحو "إنما" يجوز تقدِيمُ المفعول على الفاعل نحو "أنما قَلَّمَ الشجرَ زيدٌ".

وأمّا جَوازُ تَوَسُّطِ المَفعولِ بَينَ الفعل والفاعل فنحو {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} (الآية "٤١" من سورة القمر"٥٤") .

وأمَّا وُجُوبُ التَّوسُّطِ ففي ثلاث مسائل:

"إحداها" أن يَتَّصلَ بالفاعلِ ضميرُ المفعول نحو {وَإِذِ ابتَلى إبراهيمَ رَبُّهُ} (الآية "١٢٤"من سورة البقرة "٢") و {يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالمين مَعذِرتُهُمْ} (الآية "٥٢"من سورة الغافر "٤٠". وإنما وجب تقديم المفعول فيهما لئلا يعود الضمير على المفعول وهو متأخر لفظاً ورتبة) .

ويجوزُ في الشِّعرِ فَقَط تأخيرُ المفعول نحو قولِ حسَّان بنِ ثابتٍ يمدَحُ مُطعِمَ بنَ عَدِي:

وَلَوْ أنَّ مَجداً أخلَدَ الدهرَ واحداً ... من الناسِ أَبقَى مَجدُه الدَّهرَ مُطعِمَا

(قدَّم الفاعل وهو "مجدُه" وفيه ضمير يعُود على "مُطعماً" وهو مَفعولُه، وعادَ الضَّمير على مُتَأخِّر لَفظاً ورُتبة، وهذا في الشعر جائز) .

(الثانية) : أن يكون المفعولُ ضميراً، والفاعِلُ اسماً ظاهِراً نحو: "أنقَذَني صَدِيقي".

(الثّالثة) أن يكونَ الفاعلُ مَحصوراً فيه بـ "إنَّما" نحو {إِنَّمَا يَخشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} (الآية "٢٨" من سورة فاطر "٣٥") ، أو بـ "إِلاَّ" نحو: "لا يزيدُ المحبَّةَ إلاَّ المَعروفُ".

أمَّا تَقديمُ المَفعولِ على الفعل جوازاً فنحو {ففريقاً كَذَّبتُم وَفَرِيقاً تَقتُلُونَ} (الآية "٨٧"من سورة البقرة "٢") .

وأمَّا تَقدِيمُ المَفعولِ وُجُوباً فَفِي مسألتين:

(إحداهما) أن يكونَ لَهُ الصَّدَارَة كأنْ يكونَ اسمَ استِفهام نحو: {فَأَيَّ آيَاتِ اللهِ تُنكِرُون} (الآية "٨١"من سورة غافر "٤٠") .

(الثانية) أن يَقعَ عامِلُه بعدَ الفاء، وليسَ له مَنصوبٌ غَيرُه مقدَّم نحو: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (الآية "٣" من سورة المدثر"٧٤") .

<<  <  ج: ص:  >  >>