للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كُلّ:

-١ - تعريفها:

هي اسمٌ للدَّلاَلةِ على الإِحَاطةِ والجَمع، أو أَجزاءِ الأَفراد، وهي إمَّا نَكِرة نحو: {كُلُّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ} (الآية "١٨٥"من سورة آل عمران "٣") وإمّا مُعَرَّفَةٌ نحو: {وكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْداً} (الآية "٩٥"من سورة مريم "١٩") ، ومثال أجزَاء الأَفراد "كُلُّ خَالدٍ مُبَارَكٌ" و "زيدٌ العَالِمُ كلُّ العَالِم" والمراد التناهي، وأنه قد بَلَغَ الغاية فيما يَصفُه به مِنَ الخِصَال.

-٢ - أوجُهُ إعرابها:

لإِعرابِها ثَلاثةُ أَوْجه:

(أحدُها) أنْ تكونَ تَوكِيداً لِمَعرِفةٍ وهو مَذْهبُ البَصريّين، وعندهم لاَ يَجوزُتَوْكِيدُ النكِرةِ (واختار ابنُ مالك جوازَ توكيدِ النكِرة المَحدُودة لحصولِ الفائدة بذلك: نحو صمتُ شَهراً كلَّه) سواءٌ كَانَتْ مَحدُودَةً كيومٍ وليلةٍ وشَهرٍ وحَوْلٍ أمْ غيرَ مَحدُودَةٍ كوقتٍ، وزَمَنٍ، وذَلكَ لأنَّ ألفاظَ التوكيد كلَّها مَعَارفُ، سَواءٌ المُضَافُ لَفظاً وغيرُه، فيلزمُ تَخَالُفُهما تَعرِيفاً وتنكِيراً، ولا بُدَّ مِنْ إضَافَتِها إلى مُضمَرٍ رَاجعٍ إلى المؤكَّدِ، نحو: {فَسَجَدَ المَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ} (الآية "٣٠" من سورة الحجر "١٥") ، وقد يَخلُفُ الضَّميرَ الظَّاهرُ كقولِ عُمرَ بنِ أبي ربيعة:

كمْ قدْ ذكرتُكِ لَوْ أُجزَى بذكرِكُمُ ... ياأشبَهَ النَّاسِ كلِّ الناسِ بالقَمَرِ

وأَجَازَ الكُوفِيُّونَ تَوْكِيدَ النكرة ومِنْ تَوْكِيدها بـ "كلّ" على رأي الكُوفيين قولُ العَرْجِي:

نَلبَثُ حَوْلاً كامِلاً كلَّه ... لانَلتَقِي إلاَّ عَلى مَنهَجِ

(الثاني) أنْ يكونَ نَعتاً لِمَعرِفَةٍ فَتَدلُّ على كَمَالِهِ، وتجِبُ إضَافَتُها إلى اسمٍ ظَاهِرٍ يُمَاثِلُه لَفظاً ومَعنىً نحو قولِ الأَشهَب بنِ زُمَيلَة:

وإنَّ الَّذي حَانَتْ بفَلجٍ دِمَاؤُهم ... هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْم يا أمَّ خالد

(حانت من الحين وهي الهلاك) .

(الثالث) أنْ تكونَ تَالِيةً للعَوامِلِ ولَوْ كَانَتْ مَعنويَّةً فَتكُونَ مُضَافَةً إلى الظَّاهِرِ نحو {كُلُّ نَفسٍ بمَا كَسَبَبْ رَهِينَةٌ} (الآية "٣٨" من سورة المدثر "٧٤") وغيرُ مُضَافَةٍ نحو: {وكُلاًّ ضَرَبنَا لَهُ الأَمثَالَ (فـ "كُلاًّ" مفعولٌ به لفعل مَحذُوف يدلُّ عليه ضربنا أي أَرْشَدنا كلاً أو وَعظنا) {وكلاًّ تَبَّرْنَا تَتبِيراً} (الآية "٣٩" من سورة الفرقان "٢٥") ، ومن هذا: نِيَابَتُها عنِ المَصدَر، فتكونَ مَنصُوبةً على أَنَّها مَفعولٌ مُطلق نحو: {فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ المَيلِ} (الآية "١٢٩"من سورة النساء "٤") ، ومنه إضَافَتُها إلى الظَّرف فَتَنصِب على أَنَّها مَفعوُلٌ فيه نحو "سِرْتُ كُلَّ اللَّيلِ".

-٣- أوْجُهُ الإِضَافةِ فيها:

هي ثَلاثةٌ أيضاً:

(الأوَّلُ) أن تُضَافَ إلى الظّاهِرِ وحُكمُها: أنْ يَعمَلَ فيها جميعُ العَوامِلِ نحو "أكرَمتُ كُلَّ أهلِ البَيت.

(الثاني) أنْ تُضافَ إلى ضميرٍ مَحذُوفٍ وحُكمُها كالتي قَبلَها، وكِلاَهُمَا يَمتَنِعُ التَّأكِيدُ به كالآيةِ قَبلها: {وكُلاًّ ضَرَبنَا لَهُ الأمثَالَ} . والتَّقدِير: وكُلَّ إنسَانٍ لأنَّ التَّنوين فيها عِوَضٌ (انظر تنوين العوض) عن المُضافِ إليه.

(الثالث) أنُ تُضافَ إلى ضَمِيرٍ مَلفوظٍ به، وحُكُمها أن تكُونَ مُؤكَّدَة، فإنْ خَرَجَتْعن التَّوْكِيد فالغَالِبُ أنْ لا يَعمَلَ فيها إلاَّ الابتِداء نحو: {وكُلُّهُم آتِيهِ} .

-٤ - لَفظُ "كُل" حُكمُه الإِفرادُ والتَّذكير، وحَكَى سيبويه في "كل" التأنيث، فقال: "كلَّتُهُن مُنطَلِقةٌ" ومَعنا "كل" بحَسَبِ ما يَضافُ إليه، فإنْ كانَ مُضَافاً إلى مُنَكَّرٍ وَجَبَ مُراعاةُ مَعنى الجَمع فيه (يقول ابن هشام: وهذا نصَّ عليه ابن مالك ورواه أبو حيان يقول عنترة:

حادت عليه كُلُّ عينٍ ثَرَّةٍ ... فتَركنَ كلَّ حديقةٍ كالدرهم

فقال: "فتركن" ولم يقل: تركت، فدَلَّ على جواز "كلُّ رَجُلٍ قائِمٌ، وقَائِمون" يقول ابن هشام: والذي يظهرُ لي خلافُ قَولِهما، وأنَّ المُضَافَ إلى المُفرد إنْ أرِيدَ نسبةُ الحُكم إلى كلِّ واحدٍ وَجَبَ الإِفراد نحو "كلُّ رَجُلٍ يُشبِعُهُ رَغيفٌ" أو إلى المَجمُوع وَجَب الجُمع كبيت عنترة فإن المراد أنَّ كل فرْدٍ مِنَ الأعينِ جادَ، وأنّ مجموعَ الأعين تركنَ، والثرة: الغزِيرَة وأرَاد بالحديقة دَائِرةَ المَاءِ تبقى في الأَرْض بعدَ المَطَر) .

فلذلك جاءَ الضَّميرُ مُفرَداً مُذكراً في نحو: {وكُلَّ شَيءٍ فَعَلُوهُ في الزُّبُرِ} (الآية "٥٢"من سورة القمر"٥٤") وفي نحو قولِ كَعبِ بنِ زُهَير:

كلُّ ابنِ أُنثى وإنْ طَالَتْ سَلاَمَتُهُ ... يَوْماً على آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحمُول

وجاء مُفرَداً مُؤَنَّثاً في قوله تَعَالى: {كُلُّ نَفسٍ بمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (الآية "٣٨" من سورة المدثر "٧٤") ، و {كُلُّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ} (الآية "١٨٥" من سورة آل عمران "٣") ، وجاءَ مُثَنَّى في قَوْلِ الفَرَزْدَق:

وكلُّ رَفيقَيْ كُلِّ رَحلٍ - وإِنْ هُما ... تَعَاطَى القَنا قَوْمَاه مَا - أخَوانِ??

(كل في "كل رحل" زائدة كما يقول ابن هشام) وجَاءَ مجمُوعاً مُذكَّراً في قوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بما لَدَيهِم فَرِحُون} (الآية "٥٤"من سورة المؤمنون "٢٣") .

وقول لبيد:

وكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بَينَهم ... دُوَيهِيَةٌ تَصفَرُّ مَنها الأَنامِلُ

وإن كانتْ "كلُّ" مُضَافَةً إلى معرفةٍ فالصَّحِيحُ أنَّه يُراعَى لفظهما فلا يَعُودُ الضَّمِيرُ إليها من خبَرِها إلاَّ مُفرَداً مُذَكَّراً على لَفظِها نحو: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْداً} (الآية "٩٥"من سورة مريم "١٩") ، وفي الحديث القُدْسِيّ وغيره: "يَا عِبَادي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلاَّ مَنْ أَطعَمتُه"، و "كلُّكُمْ رَاعٍ وكُلُّكُمْ مَسؤُؤلٌ عَنْ رَعِيَّته" و "كلُّنَا لَكَ عَبدٌ". فَإنْ قُطِعَتْ عَنِ الإِضَافَةِ لَفظاً فالصَّوابُ أن المقدَّر يكونُ مُفرداً نَكِرَة وعندها يَجِبُ الإِفراد كما لَوْ صَرَّحَ بالمُفرد، ويكونُ جَمعاً معرَّفاً وعند ذلِك يجبُ الجَمعُ، وإنْ كانت المَعرِفةُ لوْ ذُكِرَت لوجبَ الإِفراد، ولكن فَعَلَ ذلك تَنبِيهاً على الحال المحذوف فيهما.

فالأوَّلُ نحو: {كُلٌّ يَعمَلُ على شَاكِلَتِهِ} (الآية "٨٤"من سورة الإسراء "١٧") و {كُلٌّ آمَنَ باللهِ} (الآية "٢٨٥"من سورة البقرة "٢") إذ التَّقدير: كُلُّ أحَد.

والثَّاني نحو: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُون} (الآية "١١٦"من سورة البقرة "٢") و {كُلٌّ في فَلَكٍ يَسبَحُون} (الآية "٣٣" من سورة الأنبياء"٢١") .

-٥ - ويَجوزُ نَعتُ "كلّ" والعَطفُ عَليها:

يجوز أنْ تُنعَتَ "كلّ"أوْ يُضافَ إليه، تَقُول "كُلُّ رَجُلٍ ظَرِيفٌ في الدَّارِ" يَجوز الرّفع نَعتاً لـ "كل" ويَجُوزُ الخَفضُ نَعتاً لـ "رَجُلٍ" وكَذَلِكَ العَطفُ كقول: "كُلُّ مُعَلِّمٍ وتلميذٌٍ عندك" يجوز الرفع عَطفاً على "كل" والجر عطفاً على "مُعَلِّمٍ".

<<  <  ج: ص:  >  >>