للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَدُنْ:

-١ - هيَ بِجَميع لُغَاتها لأَوَّلِ غَايَةٍ زَمَانٍ أو مَكانٍ، ومَعنَاها وإضَافَتُها كـ "عِندَ" إلاَّ أنَّها أقرَبُ مَكاناً مِن عِندَ وأَخَّصُّ منها، وتَجُرُّ مَا بَعدَها بالِإضافَةِ

لَفظاً إِنْ كانَ مُعرَباً مَبنيّاً أو جُملَةً، فالأوَّل نحو: {مِنْ لَدُنْ حَكيمٍ خَبِيرٍ} (الآية "١" من سورة هود "١١") ، والثاني نحو: {وَعَلَّمنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلماً} (الآية "٦٥" من سورة الكهف "١٨") والثالث كَقَوْلِ القُطَامِي:

صَرِيعُ غَوانٍ رَاقَهُنَّ وَرُقنهُ ... لَدُنْ شَبَّ حتَّى شَابَ سُودُ الذَّوائبِ

فـ "لَدُنْ" مُلازِمَةٌ للإِضَافَة، وما بَعدَها مَجرورٌ بِها لَفظاً أو مَحَلاً، فإذَا أُضِيفَتْ إلى الجُملَة تَمَحَّضَتْ للزَّمَان، لِأَنَّ ظُرُوفَ المَكان لا يُضَافُ مِنها إلى الجملة إلاّ "حيث".

وإذا اتَّصَل بـ "لّدُنْ" ياء المُتَكَلِّم اتَّصَلَتْ بِها "نُونُ الوِقَاية" يُقالُ "لَدُنّي" بِتَشدِيد النُّون، ويَقِلُّ تَجرِيدُها مِنها، فيقال: "لَدُنِي" بتَخفِيفِ النُّون.

-٢ - "لَدُنْ" تُفَارِقُ "عِند" بستة أُمُور:

(١) أنَّها مُلازِمَةٌ لِمَبدَأ الغَايَات، فَمِنْ ثمَّ يَتَعَاقَبَان، ففي التَّنزِيل: {آتَينَاهُ رَحمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلماً} (الآية "٥٦"من سورة الكهف "١٨") بِخِلاف: "جَلَستُ عِندَه" فلا يَجُوزُ: جَلَستُ لَدُنه، لِعَدَم مَعنَى الابتِدَاء هُنَا.

(٢) أنَّه قَلَّما يُفَارِقُها لَفظُ "مِنْ" قَبلَها.

(٣) أنها مَبنيَّة إلاَّ في لُغَةِ قَيس،

وبلغتهم قرئ {مِنْ لَدْنِهِ} (وهي عندهم مَضْمُومَةُ الدال إلا أنَّ هذا السكونَ عارض للتخفيف) .

(٤) جَوازُ إضافَتِها إلى الجُمل كما تقدَّم.

(٥) جَوازُ إفرادها (أي قطعها عن الإضافة لفظاً ومعنى) . قَبْلَ "غُدْوَةً" وتُنصَبُ بها "غُدوةً" إمَّا عَلى "التَّمييز، وإمَّا على التَّشْبيه بالمَفْعُولِ به، أو خَبَرَاً "لِكَان" مَحْذُوفَةً مع اسْمِها ومِنه قوله:

ومَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الكَلْبِ مِنْهُم ... لَدُنْ غُدْوَةً حتَّى دَنَتْ لِغُروبِ

(٦) أنَّها لا تَقَعُ إلا فَضْلةً تَقُولُ: "السَّفَرُ مِنْ عِنْدِ دَمْشَق" ولا تقُول: من لَدُنْ دِمَشْقَ.

-٣ "لَدُن" تُفَارِقُ "لَدَى" بخمسةِ أمُور:

(أ) أنَّ "لَدُن" تحِلُّ مَحَلَّ ابْتِدَاءِ غَايَةٍ، نحو "جِئْتُ مِنْ لَدُنْه" وهذا لا يَصِحُّ في "لَدَى".

(ب) أنَّ "لَدُن" لا يَصِحُّ وُقُوعُها عُمْدةً في الكَلامِ، فلا تكُونُ خَبَراً للمُبتَدَأ ومَا شَاكَلَ ذَلكَ، بِخِلافِ "لَدَى" فإنَّه يَصِحُّ ذلك فيهَا نحو "لدَيْنا كَنْزُ عِلْم".

(جـ) أنَّ "لَدُن" كثيراً ما تُجَرُّ بـ "مِن" كما مَرَّ بِخلافِ "لَدَى".

(د) أَنَّ "لَدُن" تُضافُ إلى الجُملة نحو "لَدُن سافَرْتُ" وهَذا مُمتَنِع في "لَدَى".

(هـ) إنْ وقَعَتْ "لَدُن" قبلَ "غُدْوَة" جَازَ جَرُّ "غُدوة" بالإضافَةِ، ونَصبُها على التمييز، ورَفْعُها على تَقْدِيرِ: "لَدُن كَانَتْ غُدْوةٌ" و "لدَى" ليسَ فيها إلا الإضافَةُ فقط.

-٤ تَخفيف "لَدُن" إلى "لَدُ":

وقَدْ تُخَفَّفُ "لَدُن" إلى "لَدُ" لِكَثْرةِ الاستِعْمال، نحو قول الشاعر:

"منْ لَدُ شَولاً فإلى أتَلائها"

وتقدَّم هذا الشاهد وإعراب "شولاً" في حذف كان "١٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>