للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَوْ الشّرْطيَّة: ("لو" هذه هي التي شهرت بأنها حرف امتناع لامتناع) .

-١ هي قسمان:

(الأوَّل) أن تكُونَ للتَّعْلِيق في المُسْتَقبَل فَتُرَادِفُ "إن" الشَّرْطِية كقولِ 'بي صَخْرٍ الهُذَلي:

وَلَوْ تَلْتَقِي أصْدَاؤُنا بعدَ مَوْتِنا ... ومِنْ دُونِ رَمْسَيْنا مِن الأرض سَبْسَبُ

لَظَلَّ صَدَى صَوتِي وإنْ كُنْتُ رِمَّةً ... لِصَوتِ صَدَى ليْلى يَهَشُّ ويَطْرَبُ

(الصدى: تَرجيع الصوت من الجَبَل ونحوه، والرمس: القَبر أو تُرَابه، والسَّبْسَب: المَفَازَة، والرِّمة: العِظَام البَالِية، ويَهَش: يَرْتاح) .

وإذا وَلِيَها مَاضٍ أُوِّلَ بالمستقبل نحو {وَلْيَخْشَ الَّذينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيةً ضِعَافاً خافُوا عَلَيهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّه} (الآية "٩" من سورة النساء "٤") . أو مضَارع تَخَلَّصَ للاسْتِقْبَال، كما في "إن" الشَّرْطِيّة نحو:

لا يُلْفِكَ الرَّاجوكَ إلاَّ مُظْهِراً ... خُلُقَ الكِرَامِ وَلَوْ تكونُ عديما

(حذفت ياءُ يلفيك للضرورة، أو إن "لا" هي الناهية) .

(الثّاني) أنْ تكونَ للتَّعْليق في المَاضي وهُو أكثرُ اسْتِعْمالاتِها، وتَقْتَضِي لُزُومَ امتِنَاع شَرطِها لامتِناع جَوابِها إن لم يَكُنْ له سَبَبٌ غيرُ الشَّرْط، نحو: {ولَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بها} (الآية "١٧٦" من سورة الأعراف "٧") . و "لوكَانَتِ الشَّمسُ طَالِعَةً كان النَّهارُ مَوْجُوداً" وقَاعِدَة "لَوْ" هذه أنَّها إذا دَخَلت على ثُبُوتِيَّين كانا مَنْفِيَّين، تقول: "لو جاءَني لأَكْرَمتُه" والمُراد: فَما جَاءَني ولا أكرمتُه، وإذا دَخَلَت على مَنْفِيَّين كانَا ثُبُوتِيَّين، نحو: "لَوْ لَمْ يَجِدَّ في العِلمِ لَمَا نَال منه شَيئاً" والمراد: أنَّه جدَّ ونَال من العلم. وإذا دَخَلَت على نفي وثبوت كان النَّفي ثُبُوتاً، والثُبُوتُ نفياً، تقول: "لَوْ لَم يَهْتَمَّ بِأمْرِ دُنْيَاهُ لَعَاشَ عَالَةً على النّاسِ" والمعنى: أنه اهتَمَّ بأمر دُنيَاهُ ولَمْ يَعِشْ عَالَةً. وإن كان لِجَوابِ "لَوْ" سَبَبٌ غَيْرُ الشَّرْطِ لم يَلْزَم امتِناعُه ولا ثُبوتُه ومنه الأَثَرُ المروِي عَنْ عُمَرَ: "نِعْمَ العَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخفِ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ" (المراد: أن صهيباً لو قُدِّر خُلوُّه من الخَوفِ لم تَقَع مِنه مَعصيةٌ، فكيفَ والخوفُ حاصِلٌ منه، لأن انتفاء العِصْيان له سَبَبَان: خَوفُ العقاب والإجلال والإعظام لله، ويلاحِظُ مثلَ ذلك صُهيب) .

وإذا وَلِيَها مُضَارِعٌ أُوِّلَ بالمُضي، نحو {لَوْ يُطِيعُكُمْ في كَثيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّم} (الآية "٧" من سورة الحجرات "٤٩") .

-٢ اختِصَاص "لو" بالفعل: تَخْتَصُّ "لَوْ" مُطْلَقاً بالفعل، ويَجوزُ أن يَلِيَها قَليلاً: اْسمٌ مَعْمولٌ لفِعْلٍ محذوفٍ وُجُوباً يفَسِّرُه ما بَعدَه، إمَّا مَرفُوعٌ كقول الغَطَمَّشِ الضَّبيِّ:

أَخِلاَّيَ لَوْ غَيرُ الحِمَامِ أصابَكُمْ ... عَتِبْتُ ولكنْ ما عَلى الدَّهْرِ مَعْتَبُ

وقولِهم في المثَل: "لَوْ غَيرُ ذاتِ سِوارٍ لَطَمَتني" (قاله حاتم الطائي، وكان قد أُسِر فَلَطَمته جاريةٌ من جَواري الحي الذي أُسِرَ فيه، ويَضربُ للوضيع يُهين الشريف) .

أو مَنْصوب نحو "لَوْ محمداً رَايتُهُ أكرَمتُهُ"، أو خبر لـ "كانَ" محذوفة مع اسمها نحو "اِلْتَمِسْ وَلَو حاتَماً مِن حَديد" أي ولو كان المُلْتَمَسُ خاتَماً ويليها كثيراً "أنَّ" وصِلَتُها، نحو {وَلَوْ أنَّهُم صَبَرُوا} (الآية "٥" من سورة الحجرات "٤٩") . والمصدر المؤوَّل فاعل بـ "ثبت"مقدر، أي ولو ثَبَتَ صَبْرُهم، ومثلُه قولُ تميم بن أُبيِّ بن مُقْبِل:

ما أنعَمَ العَيْشَ لَو أنَّ الفَتَى حَجَرٌ ... تَنبُو الحَوَادثُ عَنه وهو مَلْمُومُ

أي لَو ثَبَتَتْ حجَرِيَّتُه.

-٣ جَوات "لو" الشرطيّة: جَوابُ "لو" إمَّا مَاضٍ مَعْنىً، نحو "لَوْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ" أو وَضعاً، وهو: إما مُثْبَتٌ فاقتِرانُهُ باللاَّم أكثَرُ نحو {لَو نَشَاءُ لَجَعَلناه حُطاماً} (الآية "٦٥" من سورة الواقعة "٥٦") ، ومن القَليل: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلناهُ أُجَاجَاً} (الآية "٧٠" من سورة الواقعة "٥٦") . وإمَّا نَفي بـ "ما" فالأمْرُ بالعكس نحو {وَلَو شَاء رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ} (الآية "١١٢" من سورة الأنعام "٦") . وقول الشاعر:

وَلَو نُعْطَى الخِيارَ لَما افترَقْنا ... ولكن لا خِيَار مَعَ اللَّيالي

وقد يُلْغَى خبرُ "لَو" اكتِفَاءً بما يَدُلُّ عليه الكلام وثِقَةً بفهمِ المُخاطَب، وذلك من سُنَن العرب، كقولِ امرئ القيس:

وَجَدِّكَ لو شَيءٌ أَتَانا رسولُه ... سِواك، ولكن لَمْ نَجِد لكَ مَدفَعا

والمعنى: لو أتانا رسولٌ سِواك لَدَفعناه. وفي القرآن الكريم: {لَو أنَّ لي بكُم قوةً أو آوِي إلى رُكنٌ شديد} (الآية "٨٠" من سورة هود "١١") ، وفي ضمنه: لَكُنْتُ أكُفُّ أَذاكم عَني، ونحو {كلاَّ لَو تَعْلَمُون عِلْمَ اليَقين} ، وفي كلام اللَّه من هذا كثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>