للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَيْسَ: فِعْل جَامد مَعْنَاه النَّفي وتأتي في ثلاثة أغراض:

(١) تَعمل عَمَل كان، وأَحْكامُها كأحْكامِها إلاَّ في أشْياءَ منها: أنَّه لا يَجُوزُ أنْ يَتَقَدَّمَ خَبَرُها عَلَيْها ومِنْها: زِيادَةُ البَاءِ في خَبرِها بكثرةٍ نحو {أَلَيْسَ اللهُ بكافِ عَبْدَهُ} (الآية "٣٦" من سورة الزمر "٣٩") .

(=كان وأخواتها) .

والمَعْطُوفُ على خَبرِ ليس المُلْتبس بالباء الزائدة فيه وجهان:

النَّصْبُ على المَوضع نحو "ليس زَيدٌ بِجَبَانٍ ولا بَجِيلاً" فبخيلاً مَعْطُوفٌ على مَوضِعِ جَبانٍ، وهو النَّصْب، لأنَّه خبرُ "ليس" ونحو "ليسَ زيدُ بأخِيكَ ولا صَاحِبَكَ" بالعَطفِ على المَوْضِع، والوَجْهُ - كا [كما؟؟] يقول سيبويه - الجرُّ، لأنك تريدُ أنْ تُشرِكَ بينَ الخَبَريْن، وأَنْ يكونَ آخِرُه على أَوَّلِه أَوْلى، لِيَكونَ حَالُهُما في الباء سَواءً.

ومما جَاء في الشِّعر في العَطْفِ على المَوْضِع قولُ عُقَيبةَ الأسدي:

مُعاوِيَ إنَّنا بَشَرٌ فأسجِحْ ... فلَسْنا بالجبالِ ولا الحدِيدَا

(أسْجح: أرْفِق، وقد رُدَّ على سيبويه رواية البيت بالنصب، لأن البيت من قصيدة مجرورة معروفة وقال الشنتمري: "وسيبويه غير متهم فيما نقله رواية عن العرب، ويجوز أن يكون البيت من قصيدة منصوبة غير هذه المعروفة") .

ويجوزُ في لَيْس أنْ يكونَ اسمُها ضميرَ الشَّأن، (=ضمير الشأن) . يقولُ سيبويه: فمن ذلك قولُ بعضِ العرب: "ليسَ خَلَقَ اللهُ مِثلَه" فلَوْلا أنَّ فيه إضْماراً - وهو ضَمِير الشَّأن - لم يَحُز أنْ تَذْكُرَ الفِعْل ولم تُعْمِله في الاسم، ولكِنْ فيه من الإضْمار مثلُ ما في إنه نحو "إنه مَنْ يَأْتِنا نَأتِه". قال الشاعر وهو حُميدُ الأرْقَط:

فأصْبَحُوا والنَّوَى عَالِي مُعَرَّسِهِم ... ولَيْسَ كُلَّ النَّوى تُلْقِي المساكينُ

(المعرَّس: المنزل ينزله المسافر آخر الليل، يريد: أكلوا تمراً كثيراً وألْقَوا نواه، ولشدة جوعهم لم يُلقوا كل النوى) .

أَرَادَ: وَلَيْسَ تُلْقِي المساكين كلَّ النَّوى، فاسمُ لَيْسَ ضميرُ الشَّأْنَ لأنَّ كلَّ مَفْعُولٌ لِتُلْقِي. ومِثْلُه قولُ هِشَام أَجِي ذِي الرُّمَّة:

هِي الشَّفَاءُ لِدَائِي لَو ظَفِرتُ بها ... ولَيْسَ مِنْها شِفَاءُ الدَّاءِ مَبْذُولُ

(٢) تَأْتي أَدَاةً للاسْتِثْنَاء، والمُسْتَثْنى بها وَاجِبُ النَّصْب، لأنَّه خَبرُها، واسْمها ضميرٌ مُسْتَتِر وُجُوباً يَعُودَ على اسمِ الفَاعِل المَفْهوم مِنْ فِعْلِه السَّابِق، فإذَا قُلْنَا "قَامَ القومُ ليسَ بَكْراً" يكونُ التقدير ليسَ القَائِمُ بَكْراً.

وعندَ الخَليل - كما يَقُولُ سيبويه - قد تَكونُ "لِيْسَ" ومَا بَعْدها صِفَةً وذَلِكَ قولُكَ ما أَتَاني أَحَدٌ لَيْسَ زَيْداً" يقول سيبويه: ويَدُلُّك على أَنَّه صِفَةٌ أنَّ بعضَهم يقول: "ما أتَتْنِي امْرَأَةٌ لَستْ فُلاَنَةً" فَلَوْ لَمْ يَجْعلوه صِفةً لم يُؤَنَّثُوه.

(٣) تأتي عاطفة (هذا عند البغداديين، وعند غيرهم وهم أكثر النحاة: ليست حرف عطف) . وتقتضي التَّشْريكَ باللَّفظ دُونَ المعنى لأنَّ المعنى يَنفي فيها مَا بَعْدها ما ثَبَتَ لما قَبْلَها، وعلى ذلك قولُ لَبِيدِ بنِ رَبيعَة العَامِري يحُثُّ على المُكافَأة:

وإذا أُقْرِضْتَ قَرْضاً فَاخْزِه ... إنَّما يَجْزي الفَتة ليْسَ الجَمَلْ

(والجمل في البيت اسم ليس، وخبرها محذوف أي ليس الجمل جازياً) .

<<  <  ج: ص:  >  >>