نائِبُ الفاعِل:
-١ تعريفُه:
هو اسمٌ تَقَدَّمَهُ فِعلٌ مَبنيٌّ للمَجْهُولِ أو شِبْهُه (وهو اسم المفعول والاسم المنسوب) ، وحلَّ محلَّ الفاعِلِ بعد حذفِهِ نحو "أكْرِمَ الرجلُ المَحمُودُ فِعْلُه".
-٢ أغراضُ حَذْفِ الفاعل:
يُحْذَفُ الفاعلُ، ويَنُوبُ عنه نائبُه إمّا لغَرضٍ لَفظِي كالإِيجاز نحو: {وإنْ عَاقَبْتُم فَعَاقِبُوا بمِثلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ} (الآية "١٢٦" من سورة النحل "١٦") ، وكإصْلاح السَّجع نحو "منْ طَابَتْ سَرِيرَتُهُ حُمِدَتْ سِيرنُه" أو تَصْحيح نظمِ كقَولِ الأَعْشَى:
عُلِّقتُها عَرَضاً وعُلِّقَتْ رَجُلاً ... غَيْري، وعُلِّقَ أُخْرى غيرَها الرَّجُلُ
(التعليق: المحبة، والهاء من علقتها تعود على هريرة في بيت قبله ودع هريرة، ولولا استعمال المجهول لم يستقم الوزن) .
وإما لغَرَضٍ مَعنوي كأنْ لا يتعلَّقَ بذكرِ الفاعِلِ غَرَضٌ نحو: {فإنْ أُحصِرْتُم فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ} (الآية "١٩٦" من سورة البقرة "٢") ، {إذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحوا في المَجَالِسِ} (الآية "٤٤" من سورة المجادلة "٥٨") ، فـ "أُحصِرتُم" و "قيل" لا غَرَض من ذِكرِ فاعِلِها.
-٣ أحكامُه:
أَحكامُ نَائِبِ الفَاعِلِ هي أحكامُ الفَاعِل في رَفعِه، ووُجُوبِ التأخيرِ عن فِعله، وتأْنِيثِ الفِعلِ لِتَأنِيثِه، وغير ذلك من الأحكام (=الفاعل ٢) .
-٤ ما يَنُوبُ عن الفاعل:
يَنُوبُ عنه واحِدٌ من أربعة:
(١) المَفْعُولُ به، نحو: {وَغِيضَ المَاءُ وقُضِيَ الأمْرُ} (الآية "١٤٨" من سورة هود "١١") .
(٢) المَجْرُورُ سَواءٌ أكانَ الفعلُ لازِماً للبِنَاءِ للمَفْعول نحو: {وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْديهِمْ} (الآية "١٤٨" من سورة الأعراف "٧") . أولاً، نحو "نُظِرَ في الأَمرِ".
(٣) المَصْدر المُتَصَرِّف (المتصرف: ما لا يلزمُ النصبِ على المَصْدرية كـ "نفخة" في الآية، وغير المتصرف كـ "سُبحانَ") المخْتص (المختص: ما يُقَيِّدُ بوَصف أو إضافةٍ أو عددٍ) نحو: {فإذا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} (الآية "١٣" من سورة الحاقة"٦٩") ومثله نحو: "سِيرَ عَليه سَيرٌ شَدِيدٌ" و "ضرِبَ به ضَرْبٌ ضَعِيفٌ" وكذلكَ إنْ أرَدْتَ هذا المَعْنَى ولم تَذْكُر الصِّفَة، بقول: "سِير عَليه سَيرٌ" و "ضرِبَ به ضربٌ" كأنك قلت: سِيرَ عَليه ضربٌ من السَّير.
وكذلكَ جميعُ المَصَادِر تَرتَفِعُ على أَفْعالِها إذا لم تَشْغل الفِعل بِغَيرها نحو "سيرَ عليه سَيراً شديداً" فقد شَغَلتَ الفِعلَ بغيره عنه، وبهذا يكُون "عليه" هو نائبُ الفاعل وسَيراً منصوب على المصدر.
ويُمتنعُ مثل"يُسارُ سَيرٌ" لعدم الفائدة.
(٤) الظرفُ المتصرّفُ المُختَصُّ نحو "صِيمَ رَمَضانُ" و "سهِرَتِ اللَّيلَةُ" و "جلِسَ أمَامُ الأَمِيرِ" فإن لم يَتَصرَّف نحو "عِندَكَ" و "معَك" أو لَم يَكُن مُخْتَصّاً نحو "مَكَاناً وزَمَاناً" امتَنَعت نِيَابَتُه.
وقد لا يَظْهَرُ نَائبَ الفَاعل فيه ضَميرُ مَصدَرٍ مُبهَم نحو قول امرئ القيس:
وقالَ مَتَى يُبخَل عليكَ ويُعْتَلَلْ ... يَسُؤكَ وإن يُكْشَفْ غَرَامُك تَدرَبِ
وقول الفرزدق:
يُغضِي حَياءً ويُغضَى من مَهَابَتِه ... فما يُكَلَّمُ إلاَّ حين يَبْتَسِمُ
فيُخَرَّجُ على أنَّ نَائِبَ الفاعل ضَمِيرُ مصدرٍ مُختص بلام العَهد والمَعنَى في بيتِ امرِئ القيس: ويُعتلل الاعْتِلالُ المَعْهُودُ، وفي بيت الفرزدق: ويُغضَى الإغضَاءُ المَعْرُوفُ بمثلِ هذه الحالِ، أو يُخرَّجُ على أنَّ الفاعِل ضميرُ مَصْدرٍ مختصّ بصِفَةٍ مَحْذُوفَةٍ كأن تقولَ في الأوَّل: ويُعتَلَلُ اعْتلالٌ عليك.
وفي الثاني: ويُغضَى إغضَاءٌ من مَهَابَتِه فـ "عَليك" و "من مَهَابَته" كلٌّ مِنهما صِفَةٌ مَحذُوفة مُقَدَّرَة تُخَصِّصُهُ.
-٥ لا يكُون إلاَّ نائبٌ واحدٌ:
كَمَا لا يكونُ الفاعلُ إلاَّ واحِداً مِنْها نَائِباً للفَاعِل وَنَصَبْتَ الباقي أو جَرَرْتَه إ، كانَفيه حَرفُ جَرٍّ نحو "مُنِحَ الخَادِمُ دِينَاراً أمَامَك" {فَإذا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدةٌ} (الآية "١٣" من سورة الحاقة "٦٩") .
-٦ نائب فاعل لباب "أعطى" و "ظنَّ" و "أرى".
"أعْطَى" وبَابُه: هو كُلُّ فِعلٍ نَصَبَ مَفعولين ليس أصلُهما المُبتدأ والخَبَرَ فإقَامَةُ أوَّلِ المَفْعُولين "نائِبَ فاعل" جَائزٌ باتّفاق، أمّا إقامةُ المَفْعُولِ الثاني نَائِبَ فاعلٍ، فإن أَمِنَ اللَّبْسَ جاز نحو "كُسِي خالِداً قمصٌ" وإنْ لم يُؤمَن اللَّبْسُ امتنَع، تقولُ: "أُعطِي محمَّدٌ عَليّاً" ولا تقول: "أُعطِي محمداً عليٌّ" لالتباس الآخذ بالمَأخوذ.
أمّا إن كانَ مِن باب "ظَنَّ" وهو كل فعلٍ نَصَبَ مفعولين أصْلُهُما المُبتدأَ والخَبَر أو مِن باب "أرى" وهو كلُّ فِعلٍ نَصَبَ ثَلاثَةَ مَفَاعِيل الثَّاني والثَّالث أصْلُهما المبتدَأ والخَبر، فيمتنع إقامةُ غيرِ الأول نائباً عن الفاعلِ بَقول: "ظُنَّ أخوك جائِعاً" و "أعلِمَ بكرٌ أبَاهُ مُسافراً".
-٧ الفعل المبني للمجهول:
نائبُ الفاعلِ لا بُدَّ أن يسبقه فِعلٌ مَبني للمَجهُول، فكيفَ يُبنى الفِعل للمجْهُول؟ يجب أن تُغَيِّرَ صورَةُ الفِعل عند البناء للمَجْهُول، فإنْ كان ماضياً كُسِرَ ما قبلَ آخرِه وضُمَّ أوَّلُه نحو "قبِلَ التِّلميذُ" و "تعُلِّمَ النَّحو" و "استُحسِنَ العملُ" وإنْ كانَ مُضارعاً ضُمَّ أوَّلُه، وفُتِحَ ما قَبْلَ آخِرِه نحو "يقطَف الثَّمرُ" و "يتَعَلَّمُ الحِسابُ" و "يسْتَحْسَنُ الجِدُّ" وإن كانَ قبلَ آخرِهِ مَدٌّ كـ "يقول" و "يبِيعُ" قُلِبَ ألفاً كـ "يُقال" و "يباع".
وإذا اعتَلَّتْ عينُ الماضي وهو ثلاثيٌّ كـ "قال وباع" أو غير الثلاثيّ كـ "اخْتار وانقَادَ" فَلَكَ كسرُ ما قبلَها نحو "قِيلَ الصِّدقُ" و "بيعَ المَتَاعُ" و "اختيرَ المُدَرِّسُ" و "انقِيدَ للمُدِير" ولكَ أيْضاً الضَّمُّ فتقلَب "وَاواً" كما في قولِ رؤبة:
لَيْتَ وهل ينفَعُ شيئاً لَيْتُ ... لَيْتَ شَباباً بُوعَ فاشْتريتُ
-٨ أفْعَال يَلتَبِسُ مَعْلُومُها بمجهولها:
هُناكَ أفعَالٌ مُعتَّلاتُ العَين لا يُدرَى مَعلُومُها من مَجهُولِها إلا بقَرينةٍ، فَمِنها ما أُلْبِسَ مِن كَسرٍ كـ "خِفت" من خافَ يَخَافُ و "بعت" من باعَ يَبيعُ، وما أُلبِسَ من ضم كـ "سُمتَ" من سَامَ يَسُومُ و "عقتَ" من عاقَه عن الأمر يَعُوقه، ورأي سيبويه في مثل ذلك أن يَبقى على حالِه، ولم يَلتَفِت للإلبَاس لِحُصُولِه في مِثل "مُخاَار" لأَنَّ اسمَ الفَاعِل والمَفعُول فيه واحدٌ و "تضَارُّ" لأنَّ مَعلومَها ومَجهُولَها وَاحِدٌ أيضاً.
وَيَرى ابنُ مالك أنَّ مثل "خِفتُ" و "بعتُ مما أوَّلُهُ مكسورٌ في المعلوم أن يُضم أولظثه في المجهول فيقال: "بُعتُ وقُفتُ" ومثل" سُمت" و "عقت" مِما أوَّلُه مَضمومٌ في المعلوم أن يُكْسَرَ أوَّلُهُ في المجهول فيقال: "سِمْتُ" و "عقْتُ" وأقول: وهُوَ رأيٌ جيّدٌ إن أيَّدَه النَّقْلُ.
-٩ بِنَاءُ الفِعل الثلاثي المضعَّف على المجهول:
أوْجَبَ جُمهُورُ العُلماء ضَمَّ فَاءِ الثُّلاثي المُضَعَّفِ نحو "عُدَّ ورُدَّ" ويرَى الكوفِيّونَ جوازَ الكَسْر ومنه قراءَةُ عَلْقَمة: {هَذهِ بضاعَتُنَا رِدَّتْ إلَينَا} (الآية "٦٥" من سورة يوسف "١٣") {وَلَوْ رِدُّوا لَعَادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ} (الآية "٢٨" من سورة الأنعام "٦") بالكسر فيهما.
-١٠ الفِعْلُ اللاَّزم:
لا يُبنَى للمَجهُولِ الفعلُ اللاَّزم إلا إذا كَانَ نائبُ الفَاعلِ مَصدَراً مُتَصرِّفاً مُخْتَصاً، أو ظَرفاً مُختَصاً كذلك، أو مَجرُوراً نحو "احتُفِلَ احْتِفَالٌ حَسَنٌ" و "ذهِبَ أَمامَ الأميرِ" و "فرِحَ بِقُدُومِهِ".
-١١ أفْعَالٌ مَبنيَّةٌ للمَجهولِ وَضعاً:
هُناكَ بَعْضُ الأَفعالِ جَاءتْ مبنيَّةً للمجهولِ، ولا مَعْلًومَ لها مثل "حُمَّ" و "أغْمِي عليه الخَبَر" خَفي و "انتُفِعَ لونُه" تغَّر و "جنَّ" ذهب عقلُه و "عنِيَ بالأمر" صَرَفَ له عِنَايَتَه، وهناك ألفاظٌ كثيرة غيرها، جمعها بفضُ العلماء في رسالة (وهو محمد بن علان الصديقي في رسالة سماها: إتحاف الفاضل بالفعل المبني لغير الفاعل) .
ويعربُ صَاحبها: فَاعِلاً لا نَائبَ فاعل على الصحيح. وهُناكَ من يُعربُها إعرابَها الأصلي أي فِعلٌ مبنيٌّ للمجهُول، والاسمُ بعدهُ نائبُ فاعِلهِ.