للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-كانت قريش إذا سمعت بقدوم أحد من العرب يقابلونه ويحذرونه من رسول الله ويصفونه بكل نقيصة خشية أن يسلم ويعود إلى بلاده ويدعوهم إلى الإسلام. لكن الطفيل بن عمرو الدَّوسي لم يعبأ بتحذيرهم بل حكم عقله وتقابل مع رسول الله وسمع منه القرآن ففكر فيه وتذوقه لأنه شاعر فأسلم وهذه قصته:

هو الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن نصر بن الأزد الدوسي. يلقب ذا النون.

كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها فمشى إليه رجال من قريش وكان الطفيل شريفاً شاعراً لبيباً. فقالوا يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل بين أظهرنا قد أعضل بنا (١) وفرق جماعتنا وإنم قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبينه وبين زوجه، وإنما نخشى عليك وعلى قومك فلا تكلمه ولا تسمع منه. قال فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه حتى حشوت أذني كُرْسفُاً (٢) فرقا أن يبلغني من قوله وأنا أريد أن لا أسمعه. قال فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة. قال فقمت قريباً منه فأبى الله إلا أن يسمعني قوله. فسمعت كلاماً حسناً. فقلت في نفسي وأثكل أمي والله اني لرجل شاعر لبيب ما يخفى عليّ الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ إن كان الذي يأتي حسنا قبلته وإن كان قبيحاً تركته. فمكثت حتى أنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فأتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا ثم إن الله أبى إلا أن أسمع قولك فسمعت قولاً حسناً فأعرض عليّ أمرك. فعرض عليّ الإسلام وتلى عليّ القرآن فوالله ما سمعت قولاً قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت وقلت يا رسول الله إني أمرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام فأدعو الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال اللهم اجعل له آية. قال فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر (٣) وقع نور بين عيني مثل المصباح فقلت اللهم في غير وجهي فإني أخشى أن يظنوها مثلة لفراق دينهم فتحولت في رأس سوطي فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعَلّق وأنا أهبط إليهم من الثنية فلما أتاني أبي وكان شيخا كبيراً فقلت إليك با أبت فلستُ منك ولستَ مني. قال ولما أي بني؟ قلت إني أسلمت. قال أي بني فديني دينك. فأسلم. ثم أتتني صاحبتي فقلت لها مثل ذلك فأسلمت وقالت أيخاف عليّ من ذي الشرى صمم لهم فقلت لا. أنا ضامن لذلك. ثم دعوت دوساً فأبطأوا عن الإسلام. فرجعت إلى رسول الله بمكة فقلت يا رسول الله إنه قد غلبني على دوس الربا فادعوا الله عليهم. فقال اللهم اهدي دوساً إليّ. أرجع قومك فادعهم وارفق بهم. قال فرجعت فلم أزل بأرض قومي دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقضى بدراً وأحداً والخندق. ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر حتى نزلت المدينة بسبعين أو بثمانين بيتا من دوس ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين ثم لم أزل مع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عز وجل عليه مكة فقلت يا رسول الله أبعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه. فخرج إليه فجعل طفيل يقول وهو يحرقه وكان من خشب:

يا ذا الكَفَين لست من عُبَّادكَا ... ميلادنا أقدم من ميلادكا

إني حشوت النار في فؤادكا

ثم رجع طفيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان معه بالمدينة حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم (٤) .


(١) قد أعضل بنا أي أشتد أمره.
(٢) الكرسف القطن.
(٣) الثنية الفرجة بين الجلبين. والحاضر القوم النازلون على الماء.
(٤) راجع أسد الغابة والسيرة النبوية لابن هشام.

<<  <  ج: ص:  >  >>