للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-توفيت خديحة زوجة رسول الله بعد أبي طالب بثلاثة أيام وقيل بأكثر من ذلك. قبل الهجرة بثلاث سنين ولها خمس وستون سنة وكان مقامها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما تزوجها أربعاً وعشرين سنة وستة أشهر ودفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون ولم تكن الصلاة على الجنائز يومئذ. وحزن عليها النبي ونزل في حفرتها وتتابعت على رسول الله بموت أبي طالب وخديجة المصائب لأنهما كانا من أشد المعضدين له المدافعين عنه. فأشتد أذى قريش عليه حتى نثر بعضهم التراب على رأسه وطرح بعضهم عليه سلى الشاة وهو يصلي. سمي العام الذي مات فيه أبو طالب وخديجة "عام الحزن".

سفره إلى الطائف.

الطائف بلدة في الحجاز على مسافة ٦٥ ميلا جنوبا شرقيا من مكة وهي مشهورة بجودة مناخها وخصب أرضها وفواكهها ولا سيما العنب والبرقوق والرمان والخوخ وهي مصيف أغنياء مكة (١) وقد سافر إليها النبي صلى الله عليه وسلم لثلاث بقين من شوال سنة عشر من المبعث (يناير - فبراير ٦٢٠ م) ومعه مولاه زيد بن حارثة يلتمس من ثقيف النصرة فعمد إلى جماعة من أشراف ثقيف ودعاهم إلى الله فقال واحد منهم. أما وجد الله أحداً يرسله غيرك. وقال الآخر والله لا أكلمك أبداً لأنكم إن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام. ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك. وأغروا سفاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس وألجأوه إلى حائط فلما اطمأن ورجع عنه السفهاء قال عليه الصلاة والسلام "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. الله يا أرحم الراحمين أن رب المستضعفين وأنت ربي. إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أوالى عدوّ ملّكته أمري إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع أني أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة الا بك" فلما رأى ابنا ربيعة عتبة وشيبة مالقى رسول الله تحركت له رحمهما فدعوا له غلاما لهما نصرانياً يقال له عَدَّاس فقالا له يأكل منه ففعل عداس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله فما وضع رسول الله يده قال بسم الله فنظر عداس إلى وجهه ثم قال والله إن هذا الكلام يا يقوله أهل هذه البلدة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس وما دينك. قال أنا نصراني وأنا رجل من أهل نِينَوي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى. قال له وما يدريك ما يونس بن متى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أخي كان نبياً وأنا نبيّ فأكب عدّاس على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه ورجليه. فقال ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه أما غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاءهما عداس قالا له ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه. قال يا سيدي مافي الأرض خير من هذا الرجل. لقد خبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي. فقالا ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه. ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعاً إلى مكة حين يئس من خبر ثقيف فلما قدمها وجد قومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه الا قليلا مستضعفين ممن آمن به. وفي الطبري أن بعضهم ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف مريداً مكة مرّ به بعض أهل مكة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنت مبلغ عني رسالة أرسلك بها. قال نعم. قال أئت الأخنس بن شَرِيق فقل له يقول لك محمد هل أنت مُجيري حتى أبلغَ رسالة ربي. قال فأتاه له ذلك فقال الأخنس أن الحليف لا يُجيز على الصريح. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. قال تعود. قال نعم. قال أئت سُهيل بن عمرو فقل له أن محمداً يقول هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي. فأتاه فقال له ذلك. فقال إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب. فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. قال تعود. قال نعم. قال أئت المطعم بن عدي فقل له إن محمداص يقول لك هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي. قال نعم فليدخل. فرجع إليه الرجل فأخبره وأصبح المطعم قد لبس سلاحه هو وبنوه وبنو أخيه فدخلوا المسجد فما رآه أبو جهل قال أمجير أم متابع؟ قال بل مجير. فقال قد أجرنا من أجرت. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وأقام بها فدخل يوما المسجد الحرام والمشركون عند الكعبة فلما رآه أبو جهل قال هذا نبيكم يا بني عبد مناف. قال عتبة بن ربيعة وما تنكر أن يكون منا نبي أو ملك فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو سمعه فأتاهم فقال. أما أنت ياعتبة بن ربيعة فوالله ما حميت لله ولا لرسوله ولكن حميت لأنفك. وأما أنت يا أبا جهل فوالله لا يأتي عليك غير كبير من الدهر حتى تضحك قليلا وتبكي كثيرا. وأما أنتم يا معشر الملأ من قريش فوالله لا يأتي عليكم غير كبير من الدهر حتى تدخلوا فيما تنكرون وأنتم كارهون.

ويقال أن رسول الله أقام بالطائف عشرة أيام وظاهر أن الذي دعاه إلى السفر هو التماس النصرة ولكنهم خذلوه وما التمس النصرة من ثقيف الا بعد أن توفي أبو طالب وخديجة. أضف إلى ذلك أن فريقا من المسلمين هاجروا إلى الحبشة ولما عادوا من الطائف لم يستطع دخول مكة الا بجوار رجل كالمطعم بن عدي.


(١) وقد يطلق اسم الطائف على ما اكتنفها من البلاد واسمها القديم وج ثم سميت بالطائف بحائطها المطيف بها وموقعها ببطن من جبل غزوان وهو أبرد مكان في الحجاز لأن الثلج يقع أحياناً على ذروة الجبل فوق البلدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>