للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-لقد بلغ اضطهاد قريش للمسلمين أنهم اضطروهم إلى الهجرة ففريق هاجر إلى الحبشة ثم هاجر من بقي مع رسول الله إلى المدينة. ولما علمت قريش تتابع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة أخيراً إلى المدينة وقد صار له شيعة وأنصار من غيرهم وأنه أجمع على اللحاق بهم تشاوروا فيما يصنعون من أمره فاجتمعوا في "دار الندوة" وهي دار قصي بن كلاب (١) وتشاوروا في حبسه أو اخراجه عنهم ثم انفقوا على أن يتخيروا من كل قبيلة منهم فتى شاباً جلداً فيقتلونه جميعاً فيتفرق دمه في القبائل ولا يقدر بنو عبد مناف على حربهم جميعاً ويقال إن هذا كان رأي أبي جهل. وهكذا نجد دائما اسم أبي جهل وأبي لهب في كل مؤامرة ضد النبي صلى الله عليه وسلم وكل ايذاء اضطهاد كأن لا عمل لما غير ذلك.

استعدوا لقتله عليه الصلاة والسلام من ليلتهم فلما كانت العتمة اجتمعوا على بابه يرصدونه متى نام فيثبون عليه وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر عليا أن ينام فراشه ويتشح ببرده الأخضر وأن يتخلف عنه لؤدى ما كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع إلى أربابها فامتثل أمره فكان أول من شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله ووقى بنفسه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هنا نقول أن الأستاذ مرجوليث اعتاد أن يصف اعداء رسول الله برجاحة العقل والنبل ولا يعدم أن يجد كتابا يذكره كمصدر له من غير تحقيق فقد قال عن أبي جهل في كتابه (محمد) أنه حاز شهرة عظيمة في العقل حتى أنه دخل دار الندوة في سن الثلاثين في حين أنه كان لا يسمح لأحد من أهل مكة بدخولها الا إذا بلغ الأربعين والحقيقة أنهم كانوا لا يدخلون فيها غير قرشي الا أن بلغ أربعين سنة بخلاف القرشي تمييزاص وبما أن أبا جهل قرشي فكان يسوغ له دخول دار الندوة قبل الأربعين وليس ذلك لأنه كان شديد الذكاء راجح العقل.


(١) دار الندوة بمكة أحدثها قصي بن كلاب لما تملك مكة. كانوا يجتمعون بها للمشاورة وصارت بعد ولده لمعاوية بن أبي سفيان وقيل هي أول دار بنتها قريش بمكة. قال الحلبي دار الندوة من جهة الحجر عند مقام الحنفي الآن وكان لها باب إلى المسجد أعدت للاجتماع للمشورة وكانت قريش لا تقضي أمراً الا فيها وكانوا لا يدخلون فيها غير قرشي الا أن بلغ أربعين سنة بخلاف القرشي

<<  <  ج: ص:  >  >>