-تبين ينا من تاريخ الخزرج والأوس أنهما ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء الذي خرج من اليمن بعد تفرق أهل سبأ بسيل العرم وأن هذا السيل ليس خرافة بل حدث مرارا وخرب السد فغرت البلاد.
وقد لبث الخزرج والأوس حينا من الدهر مع اليهود يحيون الأرض الموات ويزرعونها وهم في عسر شديد. وكان اليهود هم أرباب الأموال فحدث نزاع وشجار بينهم وبين اليهود وهو أشبه بالثورات التي حدثت بين المزارعين أو العمال المتمولين في القرون الأخيرة.
ثم نشبت حروب بن الأوس والخزرج فتارة كان النصر فيها للخزرج وأخرى للأوس وكان الظفر في أكثرها للخزرج. وأخيرا حالفت قريظة والنضير الأوس على الخزرج وأنضم بنو قينقاع إلى الخزرج على أن تلك الحروب الطاحنة بين القبيلتين الأختين كان سببها بناء على ما وصل إليه من تاريخها حزازات شخصية كان في الإمكان ملافاتها. لكن العداء أشتدد بينهما لما في طبيعة العرب من التمسك بالأخذ بالثار. وقد بلغت العداوة بين الخزرج والأوس مبلغا عظيما قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وآخر الحروب بينهم يوم بعاث الذي هزم فيه الخزرج وكان حوالي سنة ٦١٦ م فلما سئموا القتال أجمعوا على تتويج عبد الله بن أبيّ ابن (١) سلول ملكا عليهم وابن سلول هذا هو اللقب برأس المنافقين. وقد حسد النبي لأن الإسلام منع تتويجه وأخذته العزة فأضمر الشر وهو الذي قال في غزوة المصطلق "لَئِنْ رَجَعْنَا إلى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ" فقال ابنه عبد الله للنبي وهو الله الذليل وأنت العزيز يا رسول الله إن أنت أذنت لي في قتله قتلته فواللذه لو علمت الخزرج ما كان بها أحد أبر بوالده منى. ولكني أخشى أن تأمر به رجلا مسلما فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي على الأرض حياً حتىأقتله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل نحسن صحبته ونترفق به ما صحبنا ولا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ولكن برّ أباك وأحسن صحبته.
ولما أنعم الله على الخزرج والأوس بنعمة الإسلام اتفقت الكلمة واجتمع الشمل وتآخى الفريقان فوحّد رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمهما ولقبهما بالأنصار لأنهم نصروه. وتوحيد الاسمين تحت راية الإسلام كان له أعظم أثر في النفوس إذ بذلك امتنع الشقاق وتصافت النفوس وساروا جميعا نحو غرض واحد ومبدأ واحد.
جاء في دائرة المعارف الإسلامية في مادة أنصار (Ansar) :"لكأن محمداً أراد أن يشابه بين كلمة الأنصار المطلقة على المسيحيين" وهذا خطأ واضح لأن كلمة أنصار جمع نصير أما نصارى فنسبة إلى قرية بالشام تسمى ناصرة أو نصران وفوق ذلك فإن سبب تسمية الخزرج والأوس بالأنصار معروف وهو لأنهم نصروه صلى الله عليه وسلم وقد جل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التشبه والتقليد.
(١) يقال عبد الله بن أبي ابن سلول بتنوين أبي وكتابة ابن سلول بالألف ويعرب إعراب عبد الله لأنه صفة له لا لأبي.