-أمر رسول الله أبا عبيدة بن الجراح أن يتجهز للغزو فتهجز فلما أراد المسير بكى صبابة إلى رسول الله فبعث مكانه عبد الله بن حجش الأسدي في أثني عشر رجلا من المهاجرين كل أثنين يعتقبان بعيراً إلى نخلة وهو بستان بن عامر الذي قرب مكة وذلك في رجب على رأس سبعة عشر شهراً من الهجرة (نوفمبر سنة ٦٢٣ م) وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فمضى لما أمره به ولا يكره أحداً من أصحابه ففعل ذلك ثم قرأ الكتاب وفيه يأمره بنزول نخلة بين مكة والطائف فيرصد قريشاً ويعلم أخبارهم. فأعلم أصحابه فساروا معه حتى إذا كان بمعدن فوق الفع أضل بعيراً وكان زميله عتبة بن غزوان فأقاما عليه يومين يبغيانه ومضى عبد الله وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة فمرت به عير لقريش تحمل خمرا وأدما وزبيبا جاءوا من الطائف فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان بن المغيرة وأخوه نوفل والحكم بن كيسان فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم وأشرف لهم عكاشة بن محصن الأسدي وقد حلق رأسه فلما رأوه أمنوا وقالوا عُمار لا بأس عليكم وذلك آخر يوم من رجب، ثم انهم تشاوروا فأجمعوا على القتال فرمى واقد بن عبد الله التيمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله وشد المسلمون عليهم فاستأسر عثمان بن عبد الله بن المغيرة والحكم بن كيسان وهرب نوفل وغنم المسلمون ما معهم. ويقال أن عبد الله بن جحش لما رجع من نخلة خمس ما غنم وقسم بين أصحابه سائر الغنم فكان أول خمس خمس في الإسلام وذلك قبل أن يفرض وكانت أول غنيمة غنمها المسلمون. وعمرو بن الحضرمي أول من قتل المسلمون. وعثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان أول من أسر المسلمون وكان الذي أسر الحكم المقداد بن عمرو فدعاه رسول الله إلى الإسلام فأسلم وقتل ببئر معونة شهيدا.
أما سعد بن أبي وقاص وزميله عتبة بن غزوان فلم يشهدوا هذه الغزوة وقدما المدينة بعد عودة السرية بأيام.
أقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسرى إلى المدينة فلما قدموا قال لهم رسول الله ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام فوقّف العير ولاأسيرين فسقط في أيديهم وعنفهم المسلمون وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام فأنزل الله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيِه قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ الله} .
فلما نزل القرآن وفرج الله عن المسلمين قبض رسول الله العير وفدى الأسيرين وفي هذه السرية سمى عبد الله بن جحش "أمير المؤمنين".