-تقدم قبل ذلك أن أبا سفيان كان من رأيه الرجوع لنجاة عير قريش وأموالها وأن أبا جهل كان مصمما على الحرب. فلما اطمأنت قريش بالجهة التي نزلوا فيها ارسلوا عمير بن وهب الجمحي يستطلع، فجال بفرسه حول عسكر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد أنهم يبلغون ثلاثمائة رجل يزيدون أو ينقصون وقال لهم لقد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا. رجال يثرب تحمل الموت الناقع ألا ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي لا يريدون أن يقبلوا إلى أهليهم، زرق العيون كأنهم الحصى تحت الحجف. قول ليس لهم منعة إلا سيوفهم. والله ما نرى أن نقتل منهم رجلا حتى يقتل رجل منكم فإذا أصابوا منكم عدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم. فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فأتى عتبة بن ربيعة. فقال: يا أبا الوليد إنك كبير قريش والمطاع فيها هل لك أن تذكر بخير إلى آخر الدهر؟ فقال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس. فقام عتبة خطيباً. فقال: يا معشر قريش والله ما تصنعون شيئا أن تلقوا محمدا وأصحابه لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قد قتل ابن عمي أو ابن خالي أو رجلا من عشيرتي. فارجعوا وخلوا محمد وسائر العرب فإن أصابه غيركم فذاك إذا أردتم وإن كان غير ذلك ولم تعدموا منه ما تريدون. يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا جبن عتبة وأنتهم أني لست بأجبنكم.
فلما بلغ أبا جهل هذا الكلام عن عتبة رماه بالجبن. وقال:(والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد) فأفسد أبو جهل على الناس رأي عتبة.
تعديل صفوف المسلمين ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما أصبح المسلمون عدّل النبي صلى الله عليه وسلم صفوف أصحابه وأقبلت قريش ورآها صلى الله عليه وسلم فقال:
"اللهم هذه قريش اقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك. اللهم فنصرك الذي وعدتني".