للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-أول من أرضعه صلى الله عليه وسلم من النساء أمه آمنة ثم ثويبة الأسلمية جارية أبي لهب التي أعتقها حين بشرته بولادته أياماً قبل قدوم حليمة، وخولة بنت الأزور وأم أيمن، وامرأة سعدية غير حليمة، وثلاث نسوة من العواتك.

وأكثرهن إرضاعاً له حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وكان من عادة العرب إذا ولد لهم مولود يلتمسون له مرضعة من غير قبيلتهم ليكون أنجب للولد وأفصح له فجاءت نسوة من بني سعد إلى مكة يلتمسن الرضعى ومعهن حليمة السعدية في سنة شديدة القحط فكل امرأة أخذت رضيعاً الا حليمة وقد كانت تحدث أنها خرجت من بلدها مع زوجها الحارث بن عبد العزى وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر يلتمس الرضعاء. قالت وهي سنة شهباء (١) لم تبق لنا شيئا، فخرجت على أتانِ لي قمراء (٢) معنا مشارف (٣) لنا والله ما تبض (٤) بقطرة وما ننام ليلنا من صبينا (٥) الذي معناه من بكائه من الجوع. ما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغذيه ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج. فخرجت على أتان تلك فلقد أدمت (٦) بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا (٧) حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها أنه يتيم وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجده فكنا نتركه لذلك فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعاً فقلت والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه. فقال لا بأس عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بكرة فذهبت إليه فأخذته وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره، فما أخذته رجعت به إلى رحلي فما وضعته في حجري أقبل على ثديي بما شاء من لبن فشرب حتى روى وشرب معه أخوه حتى روى ثم ناما وما كنا ننام معه قبل ذلك وقام زوجي إلى شارفنا فإذا إنها لحافل (٨) فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا فبتنا بخير ليلة وقال صاحبي حين أصبحنا تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة فقلت والله أني لأرجو ذلك، ثم خرجنا وركبت أتاني وحملته عليها معي فوالله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شيء من حمرهم حتى إن صواحبي ليقلن لي يا ابنة أبي ذؤيب ويحك أربعي علينا (٩) أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها فأقول لهن بلى والله إنها لهي فيقلن والله إن لها شأناً ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد وما أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها فكانت غنمي تروح على حين قدمنا به معنا شباعا لبناً فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعاً لبناً فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته وكان يشب شباباً لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً (١٠) فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته فلم نزل بها حتى ردته معنا.


(١) سنة شهباء يعني الجدب والقحط لأن الأرض تكون في بيضاء.
(٢) على أتان لي قمراء الأتان الأنثى من الحمير، والقمراء التي في لونها بياض.
(٣) المشارف - بضم الميم -: الناقة المسنة.
(٤) ما نبض معناه لا ترشح.
(٥) اسم هذا الصبي عبد الله بن الحارث وهو أخو رسول الله من الرضاعة وأخوته غيره أنيسة بنت الحارث وجذامة بنت الحارث وهي الشيماء غلب ذلك على أسمها فلا تعرف في قومها إلا به وهم لحليمة.
(٦) أدمت بالركب أي أطلت عليهم المسافة لتمهلهم عليها، مأخوذ من الشيء الدائم.
(٧) العجف بفتح العين والجيم الهزال.
(٨) الحافل الممتلئة الضرع من اللبن.
(٩) أربعي علينا أي أعطفي علينا بالرفع وعدم الشدة في السير.
(١٠) حتى كان غلاما جفراً. أي غليظا شديداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>