للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-كان فداء الأسرى أربعة آلاف إلى ما دون ذلك. فكان يفادي بهم على قدر أموالهم. وكان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة لا يكتبون فمن لم يكن له فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة فعلمهم فإذا حذقوا فهو فداؤه. فكان زيد بن ثابت ممن علم (١) .

وكان من بين الأسرى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وصنو أبيه ويكنى أبا الفضل بابنه الفضل. وكان أسن من رسول الله بسنتين. وقيل بثلاث سنين. وكان في الجاهلية رئيساً في قريش وغليه عمارة المسجد الحرام والسقاية في الجاهلية. خرج مع المشركين يوم بدر فأسر وشد وثاقه فسهر النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ولم ينم. فقال له بعض أصحابه: ما يسهرك يا نبي الله؟ فقال أسهر لأنين العباس فقام رجل من القوم فأرخى وثاقه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مالي لا أسمع أنين العباس. فقال الرجل أنا أرخيت من وثاقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فافعل ذلك بالأسرى كلهم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم افد نفسك يا عباس وابني أخويك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث ابن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو بمائة أوقية وكل واحد بأربعين أوقية. فقال للنبي صلى الله عليه وسلم تركتني فقير قريش ما بقيت. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين المال الذي دفعته لأم الفضل (٢) وقلت لها إن أصبت فهذا لبني: الفضل وعبد الله وقثم؟ فقال والله إني أشهد أنك رسول الله، إن هذا شيء ما علمه إلا أنا وأم الفضل. أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله.

وفي رواية قال للنبي صلى الله عليه وسلم لقد تركتني فقيرا ما بقيت. فقال له كيف تكون فقير قريش وقد استودعت بنادق الذهب أم الفضل وقلت لها إن قتلت فقد تركته غنية ما بقيت. فقال أشهد أن الذي تقوله قد كان وما اطلع عليه إلا الله. ونطق بالشهادة بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد قيل أن العباس كان قد أسلم. وكان يكتم اسلامه. فقد جاء في بعض الروايات أن العباس رضي الله عنه قال علام يؤخذ منا الفداء وكنا مسلمين؟ وفي رواية وكنت مسلما ولكن القوم استكرهوني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم اعلم بما تقول فإن يك حقا فإن الله يجزيك. ولكن ظاهر أمرك أنك كنت علينا. وقد أنزل الله في العباس رضي الله عنه: {يَاَيُّهَا النّبيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكثمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ الله فِي قُلُبِكُمْ خَيْراص يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣) } وعند نزول هذه الآية قال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم ورددت أنك كنت أخذت مني أضعاف ما أخذت. وقد صدق الله وعده له فأعطاه الله مالا عظيما حتى كان عنده مائة عبد في يد كل عبد مال يتاجر فيه. وبلغ ما دفعته قريش فداء للأسرى أكثر من (٢٠.٠٠٠) درهم.

وكان الأسرى: النضير بن الحارث العبدري وكان أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم. وكان يقول في القرآن أنه أساطير الأولين. ويقول لو شئنا لقلنا مثل هذا وغير ذلك من الأقاويل. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فضرب عنقه. فلما بلغ الخبر أخته قتيلة وقيل أنما هي بنته ورثته بأبيات ثم أسلمت. وفي أسد الغابة أن قتيلة بنت النضر. قال الواقدي هي التي قالت الأبيات التالية في رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قتل أباها النضر بن الحارث يوم بدر وهي:

يا راكبا إن الأثيل مظنة ... من صبح خامسة وأنت موفق

أبلغ بها ميتا بأن تحية ... ما أن تزال بها النجائب تخفق

مني إليك وعبرة مسفوحة ... جادت بواكفها وأخرى تخنق

ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقق

قسرا يقاد إلى المنية معتبا ... رسف المقيّد وهو عان موثق

أمحمد أولست صفو نجيبة ... من قومها والفحل فحل معرق

ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق

فالنضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان العتق يعتق

وحين سمع النبي صلى الله عليه وسلم بكى وقال لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه (٤) .

وكان من الأسرى أيضا عتبة بن أبي معيط بن ذكوان المكنى بأبي عمرو بن أمية بن عبد شمس. وكان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم ومن المستهزئين به. جاء عن ابن عباس أن عقبة لما قدم للقتل نادى يا معشر قريش ما لي أقتل بينكم صبرا؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بكفرك واجترائك على الله ورسوله. وعقبة هذا هو الذي وضع سلال الجزور على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد.

فالنضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط هما الأسيران اللذان أمر صلى الله عليه وسلم بقتلهما أما سائر الأسرى فقد استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرهم أبا بكر وعمر وعلياً رضي الله عنهم فيما هو الأصح من الأمرين القتل أو أخذ الفداء.


(١) راجع طبقات ابن سعد.
(٢) يعوني زوجته.
(٣) سورة الأنفال.
(٤) أي لقبل شفاعتها عنده فلا ينافي أن ما فعله حق.

<<  <  ج: ص:  >  >>