للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-ليست موقعة بدر من الوقائع الكبيرة من حيث عدد جيوش المتحاربين واستعدادهم الحربي فإن عدد المسلمين كان نحو ٣٠٠ يقابلهم نحو ألف من أهل مكة ولكنها موقعة مهمة لأنها كانت بمثابة الحجر الأساسي في إنتصار الرسول في الوقائع المقبلة. في هذه الموقعة انهزم أهل مكة وظهر ضعفهم في القتال على كثرة عددهم وفرسانهم وقد أبدى بعض المؤرخين استغرابه لما أصاب أعداء المسلمين من الفشل مع أنهم كانوا أكثر منهم عدداً وكان معهم مائة فرس وسبعمائة بعير ومع ذلك لم يكتسحوهم أمامهم بفرسانهم وركبانهم بل ولوا هاربين والظاهر أن المسلمين كانوا أحسن نظاماً فقد عدل صفوفهم النبي صلى الله عليه وسلم وخطب فيهم مستنهضا هممهم وكان يشرف على الموقعة مع ذلك العريش العالي ويصدر الأوامر فكان قائداً اماً ولم يصدر من أصحابه أية مخالفة لأوامره أما أبو سفيان فلم يكن قائدا ماهراً وقد ساعد بناء الحوض وتوفر الماه على النصر. والقرآن الكريم والأحاديث النبوية تنص صراحة على أن الله سبحانه وتعالى أمد نبيه بمدد باطني فحاربت الملائكة مع المسلمين ونصروهم على أعدائهم وقد رآهم بعض الصحابة وبعض أهل مكة في ميدان القتال وذكروهم بسيماهم فقيل كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضر وصفر وحمر وكان الزبير بن العوام متعمما بعمامة صفراء فقال صلى الله عليه وسلم نزلت الملائكة - أي بعضهم - بسيما أبي عبد الله يعني الزبير. وكانت خيل الملائكة بلقا مسوّمة - مزينة -. وعن عليّ كرم الله وجهه قال هبت ريح شديدة يوم بدر ما رأيت مثلها قط ثم جاءت أخرى كذلك ثم جاءت أخرى كذلك فكانت الأولى جبريل نزل في ألف من الملائكة أمام النبي صلى الله عليه وسلم وكانت الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الثالثة اسرافيل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا وقد جيء بالعباس يوم بدر أسره أبو اليَسَر وكان مجموعاً وكان العباس جسيما فقيل لأبي اليسر كيف أسرته؟ قال أعانني عليه رجل ما رايته من قبل ذلك بهيئته كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أعانك عليه ملك كريم (١) .

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه قد رأيت جبريل وعلى ثناياه النقع. فقال رجل من بني غفار أقبلت أنا وابن عمر لي فصعدنا جبلا يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننظر لمن تكون الدائرة فننتهب فدنت منا سحابة فسمعت فيها حمحمة الخيل وسمعت قائلا يقول أقدم حيزوم. قال فأما ابن عمي فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك فتماسكت. وقال أبو داود المازني إني لاتبع رجلا من المشركين لاضربه إذ وقع راسه قبل أن يصل سيفي إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف (٢) فكيف بعد هذا كله نكذب امداد الله رسوله بالملائكة في موقعة بدر. إن الله قد اختص نبيه بمعجزات وهذه احداها ولا سبيل لانكارها وان أنكارها المستشرقون الذين كتبوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فقد وردت في القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة.

وروى الصحابة رضي الله عنهم الذين شهدوا بدراً أنهم رأوا الملائكة بسيماهم وهم يحاربون. قال حويطب بن عبد العزى شهدت بدراً مع المشركين فرأيت عبراً رأيت الملائكة تقتل وتأسر بين السماء والأرض ولم أذكر ذلك لأحد (٣) .

ومن أسباب انتصار المسلمين قوة العقيدة فإن لها تأثيرا عظيما في الحروب فشتان بين من يحارب بعقيدة راسخة لينصر الله ورسوله فإن قتل فاز بنعمة الشهادة وتنعم في دار الخلد وبين من يحارب وهولا يشعر بقوة العقيدة التي تدفع خصمه إلى القتال من غير مبالاة فالمسلمون كانوا يتوقون إلى الموت في سبيل الله فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من العريش يوم بدر وهو يقول {سَيهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الُّبْرَ} وحرّض المسلمين وقال "والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر الا أدخله الله الجنة" فقال عمير بن الحمام الأنصاري وبيده تمرات يأكلهن بخ بخ ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم ألقى التمرات من يده وقاتل حتى قتل (٤) .

ويؤكد سير ويليام موير Sir William Muir أن الخوف الذي كان مستوليا على أهل مكة من أراقة دماء أقاربهم مع ما يقابل ذلك من رغبة المسلمين في القتال، كان هو العامل المهم في انتصار المسلمين في موقعة بدر.


(١) راجع تاريخ ابن الأثير.
(٢) راجع تاريخ ابن الأثير.
(٣) راجع تاريخ ابن الأثير.
(٤) راجع اسد الغابة الجزء الثاني تحت اسم حويطب بن عبد العزى.

<<  <  ج: ص:  >  >>