للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-قينقاع اسم لشعب من اليهود الذين كانوا بالمدينة، أضيف إليهم سوق كان بها ويقال له بني قينقاع. وهم من موالي الخزرج وحلفاء عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبيّ ابن سلول وكان عددهم قليلا وصناعتهم الصياغة وكانت بينهم وبين بني النضير وبني قريظة عداوة قديمة في الجاهلية سببها اشتراكهم مع الخزرج في يوم بعاث.

كانت غزوة بني قينقاع في شوال من السنة الثانية من الهجرة (فبراير سنة ٦٢٤ م) وقال ابن اسحاق. كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع ثم قال: "يا معشر اليهود احذروا من الله عز وجل مثل مانزل بقريش من النقمة واسلموا فإنكم قد عرفتم أنى نبيّ مرسل تجدون ذلك في كتابكم وفي عهد الله اليكم".

قالوا يامحمد انك ترى انا كقومك، لا يغرنك انك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة انا واللذه لئن حاربتنا لتعلمن انا نحن الناس.

دعا رسول الله بني قينقاع إلى الإسلام، وإلى الأعتراف بنبوته لأنهم يجدون ذلك في كتابهم لكنهم مع ذلك وعلى قلة عددهم واقامتهم مع المسلمين في المدينة نفسها اغلطوا له في الجواب ولم يقفوا عند حدود الأدب وادعوا الشجاعة.

قال الدكتور ولفنسون في كتابه تاريخ اليهود في صدد ما ردوا به على رسول الله "أنهم أجابوه بكل جرأة وتبحج ص ١٢٩" وقال "يظهر من هذا الرد أن بني قينقاع كانوا يعتمدون على معاضدة حلفائهم من الخزرج في نزاعهم مع الرسول قبل كل شيء اذ لا يتصور أن بطنا صغيراً كبطن بني قينقاع يجرؤ على اعلان الحرب ضد أغلب بطون يثرب ولكن بني الخزرج خذلوهم ولم يتحركوا لنجدتهم زغم أنهم من مواليهم ص ١٢٩-١٣٠".

وقد كان بنو قينقاع أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربوا فيما بين بدر وأحد.

قال ابن هشام: وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ بها فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشف سوءتها فضحكوا منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله. وكان يهودياً فشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع.

ولم يرو هذه الحادثة ابن اسحاق وكذا لم يذكرها الطبري في تاريخه ولا ابن سعد في طبقاته. وليس في هذه القصة ذكر لأسم المرأة ولا اسم الصائغ الذي قتل ولا اسم المسلم القاتل له ولذلك نشك في هذه القصة لا لأن ابن اسحاق لم يروها بل لأن روايتها بهذه الصفة تحملنا على الشك إذ ليس فيها ما يساعدنا على البحث والتحقيق.

وقد حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يطلع منهم أحد حتى نزلوا على حكمه فكتفوا وهو يريد قتلهم فقام إليه عبد الله ابن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم (وكانوا حلفاءه وحلفاء عبادة بن الصامت) . فقال يامحمد أحسن في مواليَّ فأبطأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم. فقال يا محمد أحسن في مواليَّ. فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل يده في جيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني وغضب صلى الله عليه وسلم حتى رأوا في وجهه ظلالا (١) ثم قال ويحك أرسلني. قال لا والله لا أرسلك حتى تحس إلى مواليَّ أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع منعوني من الأسود والأحمر تحصدهم في غداة واحدة واني واللذه لا آمن وأخشى الدوائر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم لك. وعن عمر بن قتادة أنه قال خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم فأسلوهم ثم أمر باجلائهم وغنم الله عز وجل رسوله والمسلمين ماكان لهم من مال ولم تكن لهم أرضون إنما كانوا صاغة فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سلاحا كثيراً وآلة صياغتهم وكان الذي ولى اخراجهم من المدينة بذارريهم عبادة بن الصامت فمضى بهم حتى بلغ ذِبَاب (٢) وهو يقول الشرف الابعد الأقصى فالأقصى. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر.

وقد استغرق خروجهم ثلاثة أيام وذهبوا إلى أذْرِعات (٣) وكان عددهم ٤٠٠ حاسرو ٣٠٠ دارع فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيلهم وأن يجلوا من المدينة وأن لهم النساء والذرية ويجعلوا بقية الأموال للنبي صلى الله عليه وسلم ومنها الحلقة لتي هي السلاح ولم يكن لهم نخيل ولا أرض تزرع فصالحهم على ذلك فنزلوا فخمست أموالهم. جعل منها أربعة أخماس للمؤمنين المجاهدين وخمسا له صلى الله عليه وسلم. وقد وجد في منازلهم سلاح كثير فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسىّ قوساً تدعى (الكتوم) لا يسمع لها صوت إذا رمى بها كسرت بأحد وقوساً تدعى (الروحاء) وقوساً تدعى (البيضاء) وأخذ درعين، درعا يقال لها (الصُّغديّة) يقال أنها درع داود التي لبسها حين قتل جالوت والأخرى يقال لها (فضة) وثلاثة أرماح وثلاثة أسياف. ووهب صلى الله عليه وسلم درعا لمحمد بن مسلمة ودرعا لسعد بن معاذ. وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني قينقاع لواء أبيض مع حمزة بن عبد المطلب.


(١) يعني تلونا.
(٢) جبل بالمدينة.
(٣) بلدة بالشام.

<<  <  ج: ص:  >  >>