للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-انهزم المشركون فطمعت الرماة في الغنيمة وفارقوا المكان الذي أمر النبي بالبقاء فيه مع أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم "انا لاننزال غالبين ما ثبتم مكانكم" "اللهم أني أشهدك عليهم" وفي رواية قال لهم "إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم وهم قتلى فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم" وليس بعد هذا تنبيه ولا تشديد من القائد العام وقد حذرهم أميرهم عبد الله بن جبير وقال لهم أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأبوا أن يطيعوه وقالوا والله لتأتين الناس ولنصيبن من الغنيمة فإن المشركين قد انهزموا فما مقامنا هنا؟

ولما رأى خالد بن الوليد خلاء الجبل الذي كان فيه الرماة وقلة أهله أتى من خلف المسلمين وكر عليهم بالخيل وتبعه عكرمة بن أبي جهل فوقع الاختلاط فيهم فضعفت عزائمهم، مما زاد ارتباكهم أن رجلا اسمه قميئة الليثي قتل مصعب بن عمير وأذاع أنه قتل محمداً فانكشف المسلمون وقتل الذين ثبتوا في مكانهم من الرماة وهم دون العشرة وقتل أميرهم عبد الله بن جبير وكان عدة الشهداء من المسلمين ٧٠ رجلا وعدة القتلى من المشركين ٢٣ رجلا وكان بين القتلى حنظلة بن أبي سفيان ووصل العدو إلى رسول الله وأصابته حجارتهم حتى وقع وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى وشجّ في وجهه وكلمت شفته السفلى وكان الذي أصاب رسول الله عتبة بن أبي وقاص والدم يسيل على وجهه وهو يقول:

"كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم" فنزل في ذلك قوله تعالى {َيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شيءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} .

ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته ووقع رسول الله في حفرة من الحفر التي عملها أبو عامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون فأخذ عليّ بن أبي طالب بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما، ومص مالك بن سنان أبو أبي سعيد الخدري الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وازدرده، ونزع أبو عبيدة بن الجراح إحدى الحلقتين من وجه رسول الله فسقطت ثنيته ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى فكان ساقط الثنيتين. ولما كسرت رباعيته وشج وجهه شق ذلك على أصحابه وقالوا لودعوت عليهم فقال إني لم أبعث لعانا ولكن بعثت داعياً ورحمة اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون.

وثبت النبي وقت رجوع المسلمين ولم ينصرف عن موضعه وصار يرمي بالنبل ومعه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين (١) وسبعة من الأنصار (٢) وأقبل أبيّ بن خلف يريد قتله عليه السلام فتناول النبي حربة من الحارث بن الصمة ثم استقبله فطعنه في عنقه فاحتقن الدم وكان ذلك سبب موته وهو عائد إلى مكة وهو الرجل الوحيد الذي قتل بيده عليه الصلاة والسلام.

ثم التمس رسول الله عمه حمزة فوجده وقد بقر بطنه وجدع أنفه وأذناه ثم أتى بالقتلى وأمر بدفنهم واحتمل ناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم بها ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال" ادفنوهم حيث صرعوا.

وقد قاتل حمزة في ذلك اليوم قتالا شديداً وكان يقاتل بسيفين وآخر قتيل قتله رضي الله عنه سباع بن عبد العزى الخزاعي فلما أكب عليه ليأخذ درعه قتله وحشي غلام جبير بن مطعم ثم أسلم بعد ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>