للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-أنزل الله تعالى من القرآن في غزوة أُحد ستين آية في سورة آل عمران.

قال تعالى:

{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوَّئُ المُؤمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ. إَذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَالله وَلِيُّهُمَا وَعَلَى الله فَلْتَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُون} .

زعم اكثر العلماء بالمغازي أن هذه الآية نزلت في وقعة أحد. وقد كان المسلمون يومئذ كثيرين فلما انشقوا وخالفوا أمر الرسول انهزموا

{وَلَقَدْ نَصْرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} : أنه تعالى لما ذكر قصة أحد أتبعها بذكر قصة بدر لأن المسلمين كانوا في غاية الضعف والكفار في غاية القوة. ولكن لما كان الله ناصراً لهم قهروا خصومهم. ثم قال تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمْؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفَيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ} إن هذا الوعد كان يوم بدر وهو قول أكثر المفسرين. وقد قالوا إن الملائكة حاربوا يوم بدر ويم يقاتلو في سائر الأيام وهذا المدد من المعجزات {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأَتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهمْ هَذَا يُمْددْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ألاَفٍ مِنَ المْلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} .

فجعل مجيء خمسة آلاف من الملائكة مشروطا بثلاثة أمور: الصبر، والتقوى ومجئ الكفار على الفور، فلما لم توجد هذه الشرائط لا جرم لم يوجد المشروط {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا الَّصْرُ إّلاَّ مِنْ عِنْدِ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الذَّينَ كَفَرُوا أَوْيَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِنَ} والمراد بالكبت الأخزاء والأهلاك والهزيمة والغيظ والاذلال. فكل ذلك ذكره المفسرون في تفسير الكبت.

{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شيءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} نزلت هذه الآية في قصة أحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما شجه عتبة بن أبي وقاص وكسر رباعيته جعل يمسح الدم عن وجهه وهو يقول "كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم" فنزلت هذه الآية. وقيل أنه لعن أقواماً فنزلت هذه الآية.

إلى أن قال تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتء مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شيئا وَسَيَجْزِى الله الَّشاكِرِينَ} .

لما وقع الصراخ بأن محمدا قتل كما تقدم ذكره في غزوة أحد. قال بعضهم لو كان نبيا لما قتل. ارجعوا إلى أخوانكم وإلى دينكم. فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك "ياقوم إن كان قد قتل محمد فإن رب محمد حي لا يموت. وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه. ثم قال: "اللهم أني أعتذر اليك مما يقول هؤلاء" ثم سل سيفه فقاتل حتى قتلز ولما شج وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته احتمله طلحة بن عبيد الله ودافع عنه أبو بكر وعلي رضي الله عنهم ونفر آخرون معهم. ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ينادي ويقول "إليّ عباد الله" حتى انحازت إليه طائفة من أصحابه فلامهم على هزيمتهم. فقالوا يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا خبر قتلك فاستولى الرعب على قلوبنا فولينا مدبرين.

وقد ذكر الله تعالى الحكمة في ما أصاب المؤمنين بمخالفتهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم وعرفهم سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب المخالفة بما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يبرحوا عنه بقوله تعالى:

{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بإِذْنِهِ حِتَّى إِذَا فشِلْتُمء وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ. مِنْكُمْ مَنْ يُريدُ الدُّنْيِا. وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عفا عَنْكُمْ وَالله ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمؤْمِنِينَ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>