للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

-الرجيع ماء لُهذيل. وقال ابن اسحاق والواقدي. الرجيع ماء لهذيل قرب الهدأة بين مكة والطائف.

وإنما أضيف البعث إلى اسم ذلك الماء لأن الوقعة كانت بالقرب منه وبعث الرجيع هي سرية عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه. وكان بعثه في صفر من السنة الرابعة (مايو سنة ٦٢٥ م) .

وسبب هذا أن بني لحيان من هذيل مشوا إلى عَضَل والقارة وهما قبيلتان من بني الهون بن خزيمة بن مدركة فجعلوا لهم ابلا على أن يكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج إليهم نفراً من أصحابه فقدم سبعة نفر مظهرين، فقالوا يا رسول الله إن فينا اسلاما فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرؤننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام. وقيل أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يبعث عيوناً إلى مكة ليأتوه بخبر قريش. فلما جاء هؤلاء النفر يطلبون من يقفههم، بعث معهم ستة من أصحابه للامرين جميعاً. وهذه البعثة مؤلفة من: عاصم بن ثابت. ومَرثدَ بن ابي مرثد الغَنَوى. وخُبَيب بن عدي الأوسي البدري. وزيد بن الدَّثِنَّة. وعبد الله بن طارق. وخالد بن البكير.

خرج هؤلاء حتى أتوا الرجيع فغدروا بهم واستصرخوا عليهم هذيلا ليعينوهم على قتلهم فلم يرع القوم وهم في رحالهم الا الرجال بأيديهم السيوف فأخذ عاصم ومن معه أسيافهم ليقاتلوا القوم. فقالوا انا والله لا نريد قتلكم ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم. وقالوا ذلك لأنهم يريدون أن يسلموهم لكفار قريش ويأخذوا في مقابلتهم مالا لعلمهم أنه لا شيء أحب إلى قريش من أن يأتوا بأحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يمثلون به ويقتلون به ويقتلونه بمن قتل منهم ببدر وأحد فأبوا أن يقبلوا منهم. فأما مرثد وخالد بن البكير وعاصم بن ثابت فقالوا واللذه لا نقبل من مشرك عهدا وقاتلوا حتى قتلوا.

وأما زيد وخبيب وعبد الله بن طارق فلانوا ورقوا ورغبوا في الحياة فأعطوا بأيديهم فأسروهم ثم خرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران ثم أخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره بالظهران. وأما خُبَيْبُ بن عدي وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة فباعوهما فابتاع خبيباً حُجَيْرُ بن أبي إهاب التميمي حليف بني نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر ابن نوفل وكان حجير أخى الحارث بن عامر لأمه ليقتله بأبيه. وأما زيد ابن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف وكان شراؤهما في ذي القعدة فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرم فقتلوا زيداً وأما خبيب فكذلك مكث أسيراً حتى خرجت الأشهر الحرم ثم أجمعوا على قتله تكانوا في أول الأمر أساءوا إليه في حبسه فقال لهم ما يصنع القوم الكرام هكذا بأسيرهم فأحسنوا إليه بعد ذلك وجعلوه عند امرأة تحرسه وهي ماوية مولاة حجير وقد قالت ماوية كان خبيب يتهجد بالقرآن فإذا سمعه النساء بكين ورققن عليه. فقلت له هل لك من حاجة قال لا إلا أن تسقيني العذب ولا تطعمني ما ذبح على النصب وتجيريني إذا أرادوا قتلي. فلما أرادوا ذلك أخبرته فوالله ما أكترث بذلك ولما خرجوا بخبيب من الحرم ليقتلوه قال ذروني أصل ركعتين فتركوه فصلى سجدتين فجرت سُنَّة لمن قُتل صبراً أن يصلي ركعتين ثم قال خبيب لولا أن يقولوا جَزِعَ لزدت وما أبالي على أن شقَّيَّ كان لله مصرعي ثم قال

وذلك في ذات الاله وإن يَشَأُ ... يبارك على أوصال شِلْوٍ مُمَزّع

اللهم أحصهم عدداً وخذهم بدداً ثم خرج به أبو سِروَعة بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف فضربه فقتله.

وعن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال لما أرادوا قتل خبيب ووضعوا فيه السلاح والرماح والحراب وهو مصلوب نادوه وناشدوه أتحب أنّ محمداً مكانك؟ قال لا والله ما أحب أن يفديني بشوكة في قدمه. وقيل أن زيد بن الدثنة قالوا له أيضا عند قتله فأجابهم بمثل ذلك فقال أبو سفيان رضي الله عنه: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمداً وقد قتل زيداً نسطاس.

وقد كانت هذيل حين قتل عاصم بن ثابت قد أرادوا رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شُهيد وكانت قد نذرت حين أصاب ابنها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفة الخمر فمنعته الذَّبُر (الزنانير) فلما حالت بينهم وبينه قالوا دعوة حتى بمسى فتذهب عنه فتأخذه فبعث الله سيلا فاحتمل عاصم وكان عاصم قد أعطى الله عهداً أن لا يمسه كشرك أبداً ولا يمس مشركا أبداً تنجساً منه.

فكان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه أن الدبر منعته "عجبا لحفظ الله العبد المؤمن كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبداً في حياته فمنعه الله بعد وفاته ما امتنع منه في حياته".

ولما قتل من جهة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عضل والقارة من أهل الرجيع وبلغ خبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية الضمري عالما بمكة جريئاز فلما وصلا مكة طافا بالبيت أسبوعا فعرف عمرا رجل منهم فصاح بأعلى صوته هذا عمرو بن أمية ففر هو وصاحبه إلى المدينة ناجيين.

<<  <  ج: ص:  >  >>