للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-وتسمى هذه السرية سرية المنذر بن عمرو الخزرجي، وتسمى أيضا بسرية القراء كانت هذه السرية في شهر صفر في السنة الرابعة من الهجرة (مايو سنة ٦٢٥ م) على رأس أربعة اشهر من أحد. وكان من أمرها كما قاله ابن اسحاق عن شيوخه أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر العامري ويعرف بملاعب الأسنة، فعرض النبي صلى الله عليه وسلم عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال له: يا محمد إني أرى أمرك هذا حسناً شريفاً وقومي خلفي فلو أنك بعثت معي نفراً من أصحابك لرجوت أن يتبعوا أمرك فإنهم إن اتبعوك فما أعز أمرك فقال إني أخشى أهل نجد عليهم فقال أنا لهم جار فبعث صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو ومعه القراء وهم سبعون. فلما وصلوا بئر معونة بعثوا حرام بن ملحان أخا أم سليم خال أنس بن مالك رضي الله عنه بكتابه صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر الكلابي العامري وهو ابن أخي أبي براء فلم ينظر في الكتاب بل وثب على حرام فقتله واستصرخ بني عامر قومه فأبوا وقالوا لا يُخْفَرُ جوار أبي براء (٢) فاستصرخ عليهم قبائل من سُليم عُصَيّة ورِعلا فأحاطوا بهم فكاثروهم فتقاتلوا فقتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر اهل بئر معونة فقال هذا سببه عمل أبي براء حيث أخذهم في جواره. قد كنت لهذا كارها متخوفا. فبلغ ذلك أبا البراء فمات عقب ذلك أسفاً على ما صنع ابن أخيه عامر بن الطفيل ومات عامر بن الطفيل.

قال حسان بن ثابت يرثي قتلى معونة:

على قتلى معونة فاستهلي ... بدمع العين سَحَّا غير نزر

على خيل الرسول غداة لاقَوْا ... ولاقتهم مناياهم بقدر

ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى ما وجد على قتلى بئر معونة لكونه لم يرسلهم لقتال إنما هم مبلغون رسالته وقد جرت عادة العرب قديماً بأن الرسل لا تقتل.

قال العلامة الزرقاني. وإنما لم يخبره سبحانه وتعالى بما ترتيب على ذهاب القراء وأهل الرجيع قبل خروجعم كما أخبره بنظير ذلك من الأشياء لأنه سبق في علمه تعالى اكرامهم بالشهادة وأراد حصول ذلك بمجيء أبي براء ومن طلب أصحاب الرجيع.

وكان مع هذه السرية عمرو بن أمية الضمري وقد قتلوا جميعاً غيره وقد كان أسيراً في أيديهم فقال لع عامر بن الطفيل قد كان على أمي نسمةٌ فأنت حرٌ عنها وجزّ ناصيته (٣) فأعتقه عن رقية زعم أنها كانت على أمه. فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبي من بينهم وكان عمرو لما خرج إلى المدينة صادف بمحل يسمى القرقرة رجلين من بني عامر ثم من بني كلاب فنزلا معه في ظل كان هو فيه وكان معهما عقد وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر به عمرو فقال لهما عمرو ومن أنتما فذكرا له أنهما من بني عامر فتركهما حتى ناما فقتلهما وظن أنه ظفر بثناء بعض أصحابه الذين قتلوا ببئر معونة وجاء وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال بئس ما صنعت قد كان لهما مني أمان وجوار لأدينهما فبعث بديتهما إلى قومهما.

ومن جملة القراء الذين قتلوا ببئر معونة عامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنه وهو الذي عذب في الله فاشتراه أبو بكر فاعتقه واستشهد في هذه الموقعة وهو ابن أربعين سنة.


(١) بئر معونة اسم لموضع ببلاد هذيل بين مكة وعسفان وفي معجم البلدان أنها بين أرض عامر وحرة بني سليم.
(٢) أي لن ننقض عهده.
(٣) أي الشعر المجاور لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>