-قال جماعة من الصحابة يا رسول الله أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال فنزل فيها قول تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاس} فشربها قوم وتركها آخرون. ثم دعا عبد الرحمن بن عوف ناساً فشربوا وسكروا فقام بعضهم يصلي فقرأ {قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ أعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} فنزل {يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأنْتُمْ سُكَارَى} فقل من شربها. ثم اجتمع قوم من الأنصار وفيهم سعد بن أبي وقاص. فلما سكروا افتخروا وتناشدوا الأشعار حتى أنشد سعد شعراً فيه هجاء للأنصار فضربه أنصاري بلحي بعير فشجه شجة موضحة فشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا فنزل {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} إلى قوله {فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ} : فقال عمر انتهينا يا رب.
والحكمة في تحريم الخمر تدريجياً على هذا الترتيب أن القوم كانوا ألفوا شربها وكان أنتفاعهم بذلك كثيرا فعلم أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق ذلك عليهم. روى أبو داود في سننه عن الشعبي عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة من العنب والتمر والحنطة والشعير والذرة. قال الخطابي وتخصيص الخمر بهذه الأشياء الخمس ليس لأجل أن الخمر لا يكون إلى من هذه الخمسة بأعيانها وإنما جرى ذكرها خصوصاً لكونها معهودة في ذلك الزمان. روى أبو داود عن جابر ابن عبد الله. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أسكر كثيره فقليله حرام" وقال عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام". ونهى رسول الله عن كل مسكر ومفتر، والمفتر كل شراب يورث الفتور والتحذير في الأعضاء.
وقد حرمت الخمر في السنة الرابعة من الهجرة أثناء غزوة بني النضير.