-قلنا إن هشام بن صبابة قتل خطأ أصابه رجل من الأنصار فبينا الناس على ذلك الماء (المريسيع) وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقاله جهجاه بن سعيد يقود له فرسه فازدحم جهجاه وسنان الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني يا معشر الأنصار وصرخ جهجاه يا معشر المهاجرين فغضب عبد الله بن أبي ابن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حديث السن فقال "أقد فعلوها قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ماعدونا وجلابيب قريش ما قال قائل. سمن كلبك يأكلك. أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزُّ منها الاذلّ" ثم أقبل على من حضره من قومه فقال: هذا مافعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب. فقال يا رسول الله مر به عباد بن بشر وقش فليقتله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فكيف يا عمر إذا تحدث الناس إن محمداً يقتل أصحابه؟ لا ولكن أذن بالرحيل) وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس وقد مشى عبد الله بن أبي ابن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به وكان عبد الله بن أبي في قومه شريفاً عظيما فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه من الأنصار يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل حَدَباً على عبد الله بن أبي ودفعاً عنه فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه تحية النبوة وسلم عليه. ثم قال يا رسول الله لقد رحت في ساعة مبكرة ما كنت تروح فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ قال وأي صاحب يا رسول الله؟ قال عبد الله بن أبي. قال وما قال؟ قال زعم؟ أنه ان رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل. قال أسيد فأنت والله يا رسول الله تخرجه ان شئت هو والله الذليل وأنت العزيز. ثم قال يا رسول الله أرفق به فوالله لقد جاء الله بك وان قومه لينظمون له الحرز ليتوجوه فإنه ليرى انك قد استلبته ملكا.
ثم مَتَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يكن الا أن وجدوا مس الأرض وقعوا نياما. وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي. ثم راح بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فُوَيْقَ النقيع يقال له نقعاء فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم هبت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا تخافوا فإنما هَبّت لموت عظيم من عظماء الكفار. فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن ثابت بن التابوت أحد بنى قينقاع وكان من عظماء يهود وكهفاً للمنافقين قد مات في ذلك اليوم ونزلت السورة التي ذكر الله فيه المنافقين في عبد الله بن أبي ابن سلول ومن كان على مثل أمره فقال {إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} .
وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي كان من أمر أبيه ماكان فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أنه قد بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل اليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ماكان بها رجل أبر بوالده منى وأني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن بن أبيّ يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا.
وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما فيما يظهر فقال يا رسول الله جئتك مسلما وجئت أطلب دية أخى قتل خطأ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه هشام بن صبابة فأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ثم خرج إلى مكة