-قام أبو سفيان بن حرب. فقال "ما معشر قريش لنظر امرؤ جليسه" قال حذيفة فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي. فقلت من أنت؟ فقال أنا فلان بن فلان. ثم قال أبو سفيان: "يامعشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام. لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون والله ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم.
هذه خطبة أبي سفيان في الجيش. وكان قائدهم ولا بقاء للجند بعد رجوع القائد ونصيحته لهم بالعودة، ولاشك أنهم سئموا الإقامة ولم يروا فائدة من الإنتظار أكثر مما انتظروا، وقد ساءت حالهم بسبب اشتداد البر وهبوب الريح وعدم رغبة بني قريظة في القتال. وقد كانوا يؤملون دخول المدينة. فكان الخندق عقبة في سبيلهم بالرغم من كثرة عددهم. ولما سمعت غطفان بما فعلت قريش تشمروا راجعين إلى بلادهم تاركين ما استثقلوا من متاعهم فغنمه المسلمون. وانصرف المسلمون عن الخندق ورجعوا إلى المدينة ووضعوا السلاح بعد أن حاصرهم المشركون خمسة عشر يوماً. وانصرف صلى الله عليه وسلم من غزوة الخندق يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة.
قال صلى الله عليه وسلم بعد انصراف الأحزاب لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا. وقد كان كما أخبر صلى الله عليه وسلم. وكانت هذه الغزوة آخر محاولة من جانب أشراف مكة للقضاء على الدين الجديد ألا وهو الإسلام.