-كان أبو لبابة بن عبد المنذر قد عرف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة لأنه لما ذهب إليهم أشار بيده إلى حلقه "أنه الذبح" ثم ندم على هذه الاشارة واعتبرها خيانة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكان ما كان منه. أما سعد بن معاذ فقد كان حكمه في بني قريظة معروفاً أيضاً لأنه لما أصيب في غزوة الخندق قال: "اللهم لا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة" وقد بقي مجروجا إلى أن استدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم في بني قريظة.
فأتاه قومه فاحتملوه على حمار وأقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وثم يقولون: يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما لا ولاك ذلك لتحسن فيهم. فلما أكثروا عليه. قال: لقد آن لسعد أن لاتأخذه في الله لومة لائم. فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ عن كلمته التي سمع منه.
فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم فانزلوه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احكم فيهم. قال: فاني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وأن تسبى ذراريهم وأن تقسم أموالهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تكون النساء والذرية في دار ابنة الحارث امرأة من بني النجار وأمر بالأسارى أن يكونوا في دار أسامة بن زيد. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة فخندق بها خنادق فضرب أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم إليها ارسالا وفيهم عدو الله حيى بن أخطب. وكعب بن أسد رأس القوم وهم ٦٠٠ أو ٧٠٠ وقيل أنهم كانوا من ٨٠٠ إلى ٩٠٠.
وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يُذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسالا: يا كعب ماترى ما يصنع بنا؟ فقال كعب: في كل موطن لا تعقلون. ألا ترون الداعي لا ينزع وانه من ذُهب به منكم لا يرجع. هو والله القتل.
فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى بحيى بن أخطب وعليه حلة له فقاحية قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة، أنملة لئلا يُسلبها. مجموعة يداه إلى عنقه بحبل. فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أما والله مالمت نفسي في عداوتك. ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس. فقال: أيها الناس لا بأس بأمر الله. كتاب الله وقدره وملحمة قد كتبت على بني اسرائيل. ثم جلس فضربت عنقه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة. قالت والله انها لعندي تحدث معي وتضحك ظهراً وبطنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالهم بالسوق إذ هتف هاتف باسمها. أين فلانة؟ قالت وأنا والله. قلت ويلك مالك؟ قالت: أُقْتَل. قلت ولم؟ قالت حدث أحدثته. قالت فانطلق بها فضربت عنقها. فكانت عائشة تقول: ما أنسى عجباً منها طيب نفس وكثرة ضحك وقد عرفت انها تُقْتَل.
وكانت تدعى هذه المرأة بنانه امرأة الحكم القرظي كانت طرحت رحى علي خلاد بن سويد فقتلته بارشاد زوجها لأنه أحب أن لا تبقى بعده فيتزوجها غيره ولم يقتل أحد من المسلمين في هذه الغزوة غير خلاد.