-أيام الفجار عدة. فالفجار الأول كان بين كنانة وهواز. والثاني بين قريش وهوازن والثالث بين كنانة وهوازن والفجار الأخير بين قريش وكنانة كلها وهوازن. وهذه الحروب كانت قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة. وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم الفجار الأخير وهو ابن خمس عشرة سنة وكان سببها النعمان بن المنذر أمير الحيرة بعث بلطيمة له إلى سوق عكاظ للتجارة (واللطيمة الإبل تحمل التجارة كالطيب والبز وأشباههما) وأجارها له عروة الرجال من بني هوازن فنزلوا على ماء يقال له أوارة، فوثب البراض خلي من بني كنانة على عروة فقتله وهرب إلى خيبر فاستخفى بها ولقي بشر بن أبي خازم الأسدي الشاعر فأخبره الخبر وأمره أن يعلم ذلك عبد الله بن جدعان وهشام بن المغيرة وحرب بن أمية ونوفل بن معاوية الدبلي وبلعاء بن قيس فوافى عكاظا فأخبرهم فخرجوا موائلين منكشفين إلى الحرم وبلغ قيسا الخبر آخر ذلك اليوم فقال أبو براء رئيس هوازن ما كنا من قريش إلا في خدعة فخرجوا في آثارهم فأدركواهم وقد دخلوا الحرم فناداهم رجل من بني عامر يقال له الأدرم بن شعيب بأعلى صوته: أن ميعاد ما بيننا وبينكم هذه الليالي من قابل وإنا لا نأتي في جمع
ولم تقم في تلك السنة سوق عكاظ فمكثت قريش وغيرها من كنانة وأسد بن خزيمة ومن لحق بهم من الأحابيش سنة يتأهبون لهذه الحرب وتأهبت قيس بن عيلان ثم حضروا من قابل ورؤساء قريش: عبد الله بن جدعان بن المغيرة وحرب بن أمية وأبو أحيحة سعيد بن العاص وعتبة بن ربيعة والعاص بن وائل ومعمر بن حبيب الجمحي وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وخرجوا متساندين (أي ليس لهم أمير واحد يجمعهم) ويقال بل أمرهم إلى عبد الله بن جدعان وكان في قيس أبو البراء عامر بن مالك بن جعفر وسبيع بن ربيعة بن معاوية النضري ودريد بن الصمة ومسعود بن معتب وأبو عروة بن مسعود وعوف بن أبي حارثة المرى وعباس بن رعل السلى. وهؤلاء الرؤساء والقادة. ويقال بل كان أمرهم جميعا إلى براء وكانت الراية بيده وهو سوي صفوفهم فالتقوا فكانت الدبرة أول النهار لقيس وكنانة على هوازن ومن ضوى إليهم. ثم صارت الدبرة آخر النهار لقريش وكنانة على قيس فقتلوهم قتلا ذريعاً حتى نادى عتبة بن ربيعة يومئذ - وإنه لشاب ما كملت له ثلاثون سنة - إلى الصلح فاصطلحوا على أن عدوا القتلى ووردت قريش لقيس ما قتلت فضلا عن قتلاهم ووضعت الحرب أوزارها فانصرفت قريش وقيس
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الفجار فقال "قد حضرته مع عمومتي ورميت فيه بأسهم وماأحب أني لم أكن فعلت" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كنت أنبل على أعمامي" يعني أناولهم النبل.
(١) الفجار بكسر الفاء بمعنى المفاجرة كالقتال والمقاتلة وذلك أن كان قتالا في الشهر الحرام ففجروا فيه.