للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-كان كرز بن جابر الفهري رضي الله عنه أحد رؤساء قريش أسلم بعد الهجرة واستشهد عام الفتح وهو الذي خرج رسول الله لطلبه في غزوة بدر الأولى وقد مر ذكرها.

كانت هذه السرية في جمادة الأولى سنة ست وسببها أن أناساً من عكل وعرنة (١) يبلغ عددهم نحو ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام وتلفظوا بكلمة التوحيد وكانوا حين قدموا المدينة سقاماً مصفرة ألوانهم عظيمة بطونهم (قال مستر موير أنهم كانوا مصابين بداء الطحال) .

فقالوا يا رسول الله إنا كنا أهل ضرع (أي ماشية وابل) ولم نكن أهل ريف وكرهنا الأقامة بالمدينة فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل فأمر لهم بذود من الإبل (٢) ومعها راع وأمرهم باللحوق بها لشربوا من ألبانها وأبوالها فانطلقوا حتى اذا كانوا ناحية الحرة وصحت أجسامهم باتباعهم اشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كفروا بعد اسلامهم وقتلوا راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عبداً له اسمه يسار. وحين قتلوه مثلوا به فقطعوا يده ورجله وجعلوا الشوك في عينيه واستاقوا الذود وحمل يسار ميتا إلى قباء فدفن هناك. فهؤلاء أعراب قساة غلاظ القلوب يقابلون الاحسان بالإساءة يكرمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهب له الماشية ويرسل معهم الراعي رأفة بهم ويصف لهم الدواء الشافي لدائهم فيأخذون الإبل ويشربون ألبانها وتصح أجسامهم ثم يجحدون النعمة

ويكفرون بعد اسلامهم ويقتلون ذلك الراعي الأمين المسكين ويمثلون به أشنع تمثيل ويسيرقون الإبل. جرائم متعددة يقترفونها. فهل هؤلاء يستحقون العفو والاحسان والمعاملة الحسنة؟ كلا بل الحكمة تقضي بقطع دابرهم واستئصال شأفتهم ليكونوا عبرة من اعتبر ولئلا يجرأ بعد ذلك أحد من أمثال هؤلاء اللصوص القتلة الخائنين أن يعبث بالاسلام والمسلمين. وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام لما جاءه الصريخ بما وقع جابر الفهري رضي الله عنه فلحقهم فجاء بهم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ولم يفلت منهم أحد وتركوا في ناحية الحرة في الشمس حتى ماتوا.

وأنزل الله في هؤلاء {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولهُ} الآية وهؤلاء كفروا وقتلوا ومثلوا وقطعوا الطريق وسرقوا.


(١) عكل حي من قضاعة وعرينة حتى من بجيلة.
(٢) هي من الثلاثة إلى العشرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>