-قد راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفيذ هذه المعاهدة بدقة فكان في مدة الصلح يرد الرجال المهاجرين ولا يرد النساء بعد الأمتحان وكان الامتحان ان تستحلف المرأة الهاجرة أنها ما هاهرت ناشزا ولا هاجرت الا لله ورسوله. قال تعالى {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فِامْتَحِنُوهُنَّ} فلما هاجرت إليه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها وكانت أسلمت بمكة وبايعت قبل أن يهاجر صلى الله عليه وسلم ثم خرجت في مدة الصلح مهاجرة ماشية على قدميها من مكة إلى المدينة وصحبت رجلا من خزاعة وهي أخت عثمان بن عفان لأمه لم يردها النبي صلى الله عليه وسلم لأن الشرط يقضي برجوع الرجال فقط. ولماخرج أخواها عمارة والوليد في ردها بالعهد، أخبرها رسول الله بأن النساء المؤمنات لا يرجعن وأن الشرط في الرجال فقط وإن النساء يمتحن فرجعا إلى مكة وأخبرا قريشا بذلك فرضوا به.
ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بصير فذهب بعد أن قتل خنيسا الذي كان جاء في طلبه إلى محل في طريق الشام يمر به ذوو الميرة واجتمع جمع من المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة فكانوا يتسللون إليه وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو الذي رده صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وخرج من مكة في سبعين راكبا أسلموا فلحقوا بأبي بصير وكرهوا أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدة الهدنة خوفاً من أن يردهم إلى أهلهم وانضم إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب ممن أسلم حتى بلغوا ثلثمائة مقاتل فقطعوا مارة قريش لا يظفرون بأحد منهم الا قتلوه ولا تمر بهم عير الا أخذوها حتى كتبت قريش له صلى الله عليه وسلم تسأله بالأرحام الا آواهم ولا حاجة لهم بهم فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل وأبي بصير أن يقدما عليه وإن من معهم من المسلمين يلحق ببلادهم وأهليهم ولا يتعرضوا لأحد مر بهم من قريش ولا لعيرهم فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما وأبو بصير مشرف على الموت لمرض حصل له فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده يقرأه فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا وقدم أبو جندل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ناس من أصحابه ورجع باقيهم إلى أهلهم وأمنت قريش على عيرهم وتحقق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية "سيجعل الله لأبي جندل وأصحابه فرجا ومخرجا".