للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-بعث صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه إلى المقوقس. وذلك أنه صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الحديبية قال أيها الناس أيكم ينطلق بكتابي هذا إلى صاحب مصر وأجره على الله؟ فوثب إليه حاطب وقال أنا يا رسول الله فقال بارك الله فيك يا حاطب وهذا نص الكتاب:

(بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ عَبْدِ الله وَرَسُولِهِ إلى الْمُقَوْقِسِ عَظِيمِ الْقِبْطِ. سَلاَمٌ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى. أمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أدْعُوكَ بِدِعَايَة الْإِسلاَمِ, أسْلِمْ تِسْلَمْ يُؤْتِكَ الله أجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إثْمُ كلّ الْقِبْطِ يأَهْلِ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أنَّ لاَ نَعْبُدَ إلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شيئا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أرْبَاباً مِنْ دُونِ الله فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهدُوا بَأَنَّا مُسْلِمُونَ) .

وهذا الكتاب محفوظ بدار الآثار في الأستانة قيل عثر عليه عالم فرنسي في دير بمصر قرب أخميم في زمن سعيد باشا.

فسار حاطب بالكتاب حتى قدم على المقوقس إلى مصر فلم يجده فذهب إلى الاسكندرية وأعطاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمه إلى صدره وجعله في حق عاج ودعا كاتباً له يكتب بالعربية فكتب:

(إلى النبي صلى الله عليه وسلم. بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط. سلام عليك. أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعوا إليه وقد علمت أن نبياً قد بقي وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام) وذكر له ما كان من اكرامه لحاطب وقيل أنه دفع له مائة دينار وخمسة أثواب ودعا رجلا عاقلا فلم يجد بمصر أحسن ولا أجمل من مارية (مريم) وأختها سيرين وهما من أهل حَفن من كورة أنصا, قرية بصعيد مصر (٢) فبعث بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له بغلة وعسلا من عسل بنها. وقيل بعث له غير ذلك عشرين ثوباً من قباطي مصر وطيباً وعوداً ومسكا. ولكنه لم يسلم وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الهدايا فأخذ مارية لنفسه وأهدى سيرين لحسان بن ثابت وهي أم عبد الرحمن بن حسان والبغلة تسمى "الدلدل" وكانت شهباء ولم يكن في العرب يومئذ بغلة غيرها ودعا في عسل بنها بالبركة.

وقد ذكر المرحوم حفني ناصف بك أصناف الهدايا التي أرسلها المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي (٣) :

-١- مارية بنت شمعون وكانت أمها رومية.

-٢- جارية أخرى يقال لها سيرين ولكنها أقل جمالا من مارية.

-٣- جارية أخرى يقال لها قيسر.

-٤- جارية سوداء يقال لها بريرة.

-٥- غلام أسود يقال له هابو.

-٦- بغلة شهباء وهي التي سميت بدلدل.

-٧- فرس مسرج ملجم وهو الذي سمى بميمون.

-٨- حمار أشهب وهو الذي سمى بيعفور.

-٩- مريعة فيها مكحلة ومرآت ومشط وقارورة دهن ومقص وسواك.

-١٠- جانب من عسل بنها.

-١١- ألف مثقال من الذهب.

-١٢- عشرون ثوباً من قباطي مصر.

-١٣- جانب من العود والند (٤) والمسك.

-١٤- قدح من قوارير.

ويقال أنه كان من ضمن الهدية طبيب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "أرجع إلى أهلك نحن قوم لان نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع".

وقد أسلمت مارية قبل أن تصل إلى المدينة هوي وسيرين بدعوة حاطب بن أبي بلتعة.


(١) اسم المقوقس باللغة القبطية Pkauchios ومعنى المقوقس مطول البناء. وهذا لقب كل من ملك مصر وكان اسم هذا المقوقس جريج بن ميناء.
(٢) جاء في الحديث الشريف "أهدى المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم مارية من حفن من رستاق أنصنا" وفي كتاب الانتصار لابن دقماق: "وأنصنا بلدة قديمة بها آثار عظيمة وكان بها مقياس صغير يقاس فيه ماء النيل وبعضه باق إلى الآن وهي على ضفة النيل الشرقية قبالة الأشمونين وقال: إن الأشمونين ذات كيمان عظيمة وأن بانيها أشموم بن مصر ونقل عن القبط أن أشموم بني سردابا تحت الأرض من الأشمونين إلى أنصنا" وقرية الأشمونين بمديرية أسيوط.
(٣) راجع مجلة الهلال السنة ٤١ الجزء الأول ص ٧٨.
(٤) الند: الطيب، غير عربي.

<<  <  ج: ص:  >  >>