-كتب حاطب بن أبي بلتعة البدري حليف بني أسد كتابا إلى مكة يخبرهم بمسير النبي صلى الله عليه وسلم وأرسله مع امرأة (١) استأجرها بعشرة دنانير وقال لها أخفيه ما استطعت ولا تمري على الطريق فإن عليه حراساً. فجعلت الكتاب في رأسها ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث عليّ ابن أبي طالب والزبير بن العوام فقال ادركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم (وقد كان حاطب رسول رسول الله إلى المقوقس سنة ست) .
فخرجا حتى أدركاها بالخليقة خليفة بني أبي أحمد فاستنزلاها فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئا فقال لها عليّ بن أبي طالب إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك. فلما رأت الجد منه قالت أعرض.
فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال يا حاطب ما حملك على على هذا؟ فقال يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم. فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله دعني أضرب عنقه فإن الرجل قد نافق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر، فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم: فأنزل الله عز وجل في حاطب {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} إلى قوله وإليك أنبنا إلى آخر القصة وقد جاء في كتابه ما يأتي:
"من حاطب بن أبي بلتعة إلى سهيل بن عمرو ومكرمة بن أبي جهل وصفوان ابن أمية. أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش عظيم يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده فأنظروا لأنفسكم والسلام".
وفي رواية أن لفظ الكتاب:
"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم وقد أحببت أن تكون لي عندكم يد".
وعلى كل حال فإن في إرسال هذا الكتاب لقريش إفشاء لسر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتمه ولولا أن حاطبا كان من المجاهدين في غزوة بدر لعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترى أن عمر كان يريد ضرب عنقه. وقيل أن عمر رضي الله عنه قال قاتلك الله ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بالأنقاب وتكتب إلى قريش!
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره واستخلف على المدينة أبا رُهمْ كلثوم بن حصين بن خلف الغفاري (٢) وخرج لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان (أول يناير سنة ٦٣٠ م) فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه حتى إذا كان بالكَدِيدِ ما بين (عُسفان وأمج) أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مضى حتى نزل مرّ الظّهران في عشرة آلاف من المسلمين وكان قد بعث إلى من حوله من العرب وطلب حضورهم: أسلم. وغِفار. وأشجع. وسليم. وبعث رسلا في كل ناحية. وقيل أن العشرة آلاف خرج بهم من نفس المدينة ثم تلاحق به ألفان.
وكان عدد جيش المسلمين كما جاء في السيرة الحلبية هو: