للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-لما نزل صلى الله عليه وسلم مرّ الظهران أمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار لتراها قريش أو لتسمع بها فترعب من كثرتها.

قال الواقدي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فقائل يقول يريد قريشا وقائل يقول يريد هوازن وقائل يقول يريد ثقيفاً.

ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعمى عليهم الأخبار واستجاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فأخذ العيون والأخبار عن أهل مكة ولم يبلغهم مسيره وهم مغتمون محزونون خائفون.

وقد كان زحف الجيش سريعاً جدا فإنه وصل إلى مر الظهران وهي على مرحلة من مكة في اليوم السابع أو الثامن.

ولما رأى أبو سفيان بن حرب كثرة النيران قال ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكرا.

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل قبيلة أن تكون عند راية صاحبها وتظهر ما معها من القوة والعدة فأصبح الناس على ظهر وقدم بين يديه الكتائب ومرت القبائل على قادتها والكتائب على راياتها فجعلت القبائل كتيبة كتيبة (وفي أثناء مرور الجيش كان أبو سفيان ينظر إليهم) فأول من قدم خالد بن الوليد رضي الله عنه في بني سليم ثم مر على أثره الزبير بن العوام ثم مرت كتيبة بني غفار وكان يحمل رايتهم أبو ذر وهكذا إلى أن مر الجيش بأسره كما تقدم غير أنه لما حاذى سعد بن عبادة أبا سفيان قال "يا أباسفيان اليوم الملحمة. اليوم تستحل الكعبة" فقال أبو سفيان يا عباس حبذا يوم الذمار (١) وسمع مقالة سعد بن عبادة أحد الصحابة فقال يا رسول الله ما نأمن أن تكون لسعد صولة في قريش. فقال لعلي رضي الله عنه أدركه فخذ الراية منه ثم أمره أن يسلمها لأبنه قيس بن سعد بن عبادة لأنه صلى الله عليه وسلم خشي تغير خاطر سعد فأمر بدفعها لأبنه.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز رايته بالحجون. قال الحلبي في السيرة "وفي ذلك المحل بنى مسجد يقال له مسجد الراية". ودخل صلى الله عليه وسلم من الثنية العليل وأمر خالد بن الوليد ومن معه أن يدخلوا من الثنية السفلى.

روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته القصواء مردفا أسامة بن زيد رضي الله عنهما خلفه (٢) ودخل واضعا رأسه الشريف على راحلته تواضعا لله تعالى حين رأى ذلك الفتح العظيم وكثرة المسلمين وهو يقول "اللهم إن العيش عيش الآخرة"وكان لواؤه صلى الله عليه وسلم يوم دخل مكة أبيضورايته سوداء تسمى العقاب وكانت من برد لعائشة رضي الله عنها.

وقد أمر رسول الله رؤساء الجيش أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم. فاندفع خالد بن الوليد رضي الله عنه حتى دخل من أسفل مكة وقد تجمع بها ناس من بني بكر وبني الحارث بن عبد مناف وناس من هذيل الذين استنصرت بهم قريش فقاتلوا خالدا ومنعوه من الدخول وشهروا السلاح ورموه بالنبل وقالوا لا تدخلها عنوة فصاح خالد في اصحابه فقاتلهم فانهزموا شر انهزام وقتل من بني بكر نحو ٢٤ رجلا ومن هذيل أربعة حتى انتهى بهم القتال إلى الحَزوَرَة وكانت سوقا بمكة (٣) ثم دخلوا الدور وارتفعت طائفة منهم على الجبال هربا وتبعهم المسلمون فصاح حكيم بن حزام وأبو سفيان "يا معشر قيش علام تقتلون أنفسكم من دخل داري فهو آمن ومن وضع السلاح فهو آمن" فجعلوا يقتحمون الدور ويغلقون أبوابها ويطرحون السلاح في الطرق فيأخذه المسلمون. وقتل من المسلمين رجلان أخطآ الطريق أحدهما كرز بن جابر الفهري والآخر الأشقر الخزاعي. قال موسى بن عقبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بع أن اطمأن لخالد رضي الله عنه: قاتلت وقد نهيتك عن القتال فقال هم بدأونا بالقتال وقد كففت يدي ما استطعت فقال صلى الله عليه وسلم قضاء الله خير.

وكان دخوله صلى الله عليه وسلم لعشر بقين من رمضان (يناير سنة ٦٣٠ م) ومعه صلى الله عليه وسلم زوجتاه أم سلمة وميمونة رضي الله عنهما وأم سلمة هي بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومي واسمها هند وأما ميمونة فهي بنت الحارث وهي خالة خالد بن الوليد.


(١) الهلاك.
(٢) وهذا من مزيد تواضعه صلى الله عليه وسلم لأن أسامة خادمه وابن خادمه ولو كان فيه ذرة من الكبر لما فعل ذلك في هذا اليوم العظيم الذي تتجه فيه الأنظار إليه صلى الله عليه وسلم.
(٣) كانت الحزورة سوق مكة وقد دخلت المسجد لما زيد فيه. وفي حديث وقف النبي صلى الله عليه وسلم بالحزورة فقال يا بطحاء مكة ما أطيبك من بلدة أو أحبك إلى ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك.

<<  <  ج: ص:  >  >>