للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-وقد استثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أناسا من الدخول في الأمان وأمر بقتلهم وهو خمسة عشر ما بين رجل وامرأة وهذه أسماؤهم:

-١- عبد الله بن أبي سرح بن الحارث العامري.

-٢- عبد الله بن خطل.

-٣- عكرمة بن أبي جهل.

-٤- الحويرث بن نُقيد.

-٥- مِقْيس بن صبابة.

-٦- هبار بن الأسود بن المطلب.

-٧- كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني.

-٨- الحارث بن هشام المخزومي وهو أخو أبي جهل لأبويه.

-٩- زهير بن أبي أمية المخزومي أخو أم سلمة.

-١٠- صفوان بن أمية بن خلف الجمحي.

-١١- وحشي بن حرب قاتل حمزة.

هؤلاء هم الرجال، وأما النساء فهن:

-١٢- ١٣- قينتان كانتا عند عبد الله بن خطل تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين.

-١٤- سارة مولاة لبني المطلب بن عبد مناف.

-١٥- هند بنت عتبة زوج أبي سفيان أم معاوية.

وأكثر هؤلاء أسلموا. وفيما يلي نذكر سبب إهدار دمهم.

أما عبد الله بن سرح فإنه كان أسلم ثم ارتد ولحق بمكة وصار يتكلم بكلام قبيح في حق النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر دمه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح. فلما علم بإهدار دمه لجأ إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان أخا له من الرضاع فقال يا أخي استأمن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يضرب عنقي. فغيبه عثمان رضي الله عنه حتى هدأ الناس واطمأنوا ثم أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار يقول عثمان يا رسول الله أمّنته فبايعه والنبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه مرارا. ثم قال نعم فبسط يده فبايعه وأسلم وحسن إسلامه.

وأخطأ الأستاذ در منجم في كتابه حياة محمد فقال إن اسمه عبد الله بن سعد والصواب ما ذكرنا.

عبد الله بن خطل: فإنه كان ممن قدم المدينة قبل الفتح وأسلم وكان اسمه "عبد العزى" فسماه النبي صلى الله عليه وسلم (عبد الله) وبعثه لأخذ الصدقة وأرسل معه رجلا

من الأنصار يخدمه وكان مسلما فنزل منزلا وأمر أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاماً ونام ثم استيقظ فلم يجده صنع له شيئا وهو نائم فعدا عليه ف. قتله

ثم ارتد مشركا وكان شاعراً فجعل يهجو النبي صلى الله عليه وسلم في شعره. وكان له قينتان تغنيانه بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان يوم فتح مكة ركب فرسه ولبس درعه وأخذ بيده قناة وصار يقسم لا يدخلها محمد عنوة فلما رأى خيل المسلمين خاف وذهب إلى الكعبة وألقى سلاحه وتعلق باستارها فوجده رسول الله عند طوافه وهو بهذه الحال فقال اقتلوه فإن الكعبة لا تعيذ عاصيا ولا تمنع من إقامة حد واجب. فقتل واختلف فيمن قتله. فأما القينتان واسمهما فرتنا وقريبة فقتلت قريبة واستؤمن رسول الله لفرتنا فأمنها فأسلمت وعاشت إلى خلافة عثمان.

عكرمة بن أبي جهل: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أشد الناس على المسلمين ولما بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه هرب ليلقى نفسه في بئر أو يموت تائها في البلاد أو كما نقول الآن: هرب لينتحر غرقا أو جوعا. وكانت امرأته أم حكيم رضي الله عنها بنت عمه الحارث بن هشام رضي الله عنه. أسلمت قبله فاستأمنت له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه فقال هو آمن فخرجت في طلبه فأدركته فرجع معها وأسلم أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بعد ذلك من فضلاء الصحابة. وخالد بن الوليد ابن عمه.

الحويرث بن نقيد: أهدر دمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان يعظم القول فيه صلى الله عليه وسلم وينشد الهجاء فيه ويكثر أذاه وهو بمكة وكان قد شارك هبار بن الأسود في نخس جمل زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجرت من مكة. قتله عليّ رضي الله عنه.

مقيس بن صبابة: كان قد أسلم ثم أتى على أنصارى فقتله وكان الأنصارى قتل أخاه هشام بن صبابة خطأ في غزوة "ذي قرد" ظنه من العدو فجاء مقيس فأخذ الدية ثم قتل الأنصارى ثم ارتد ورجع إلى قريش فأهدر رسول الله دمه فقتله نُمَيْلَةُ بن عبد الله الليثي رجل من قومه.

هبار بن الأسود: كان شديد الأذى للمسلمين وكان عرض لزينب رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجرت فنخس بها الجمل حين سقطت على صخرة وأسقطت جنينها ولم تزل مريضة حتى ماتت واشترك معه في النخس الحويرث بن نقيد الذي مر ذكره. أهدر دم هبار بن الأسود يوم الفتح فهرب واختفى ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم واعترف بذنبه وأسلم فعفا عنه ومنع المسلمين من سبه معأنه كان سبباً في وفاة ابنته.

كعب بن زهير: كان شاعراً وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم بشعره وككان يعير أخاه بجيرا لأسلامه فأهدر دمه فلما بلغه أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتله خاف وخرج حتى قدم المدينة بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من فتح مكة وأسلم أمامه وأنشد قصيدته المعروفة التي أولها:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

وقال فيها:

إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول

فلما وصل إلى هذا البيت رمى عليه الصلاة والسلام إليه بردة كانت عليه وإن معاوية رضي الله عنه في زمن خلافته بذل له فيها عشرة آلاف درهم فقال ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أعطانيه أحدا. فلما مات بعث معاوية إلى ورثته بعشرين ألفا فأخذها منهم وهي البردة التي كانت عند السلاطين وكان الخلفاء يلبسونها في الأعياد وقيل أنها فقدت في وقعة التتار.

وقد كان كعب بن زهير من فحول الشعراء وكذا أبوه زهير وأخوه بجير وابنه عقبة بن كعب وابن ابنه العوام بن عقبة.

الحارث بن هشام: كان شديداً على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين وابنه عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام.

زهير بن أبي أمية: كان أيضاً شديداً في كفره كالحارث بن هشام فأهدر رسول الله دمهما يوم الفتح فهربا واختبأى في بيت أم هانئ بنت ابي طالب فأجارتهما فأجاز صلى الله عليه وسلم جوارها ثم جاءت بهما فاسلما وحسن اسلامهما.

صفوان بن أمية: كان من أشد الناس عداوة وأذية لرسول الله والمسلمين فأهدر رسول الله دمه فاختفى وأراد أن يلقى نفسه في البحر فجاء ابن عمه عمير بن وهب الجمحي رضي الله عنه وقال: يا نبي الله إن صفوان سيد قومه وقد هرب ليقذف نفسه في البحر فأمنه فأنك أمنت الأحمر والأسود. فقال رسول الله أدرك بن عمك فهو آمن. فقال أعطني آية يعرف بها أمانك فإني قد طلبت منه العود فقال لا أعود معك إلا أن تأتيني بعلامةأعرفها فأعطاه صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل بها مكة فلحقه بها وهو يريد يركب البحر فقال له صفوان اغرب عني لا تكلمني. فقال أي صفوان فداك ابي وأمي جئتك من عند أفضل الناس وأبر الناس وأحلم الناس وخير الناس وهو ابن عمك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك. قال إني أخافه على نفسي. قال هو أحلم من ذلك وأكرم وأراه العمامة التي جاء بها فرجع معه حتى وقف على رسول الله. فقال إن هذا يزعم أنك أمنتني، قال صدق. فقال امهلني بالخيار شهرين. فقال صلى الله عليه وسلم أنت بالخيار أربعة اشهر. ولما أراد صلى الله عليه وسلم الخروج إلى حرب هوازن استقرض أربعين ألف درهم وطلب منه دروعاً كانت عنده. فقال: أغضباً يا محمد. قال لا ولكن عارية مرجوعة أو مضمونة. ثم خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج لحرب هوازن وهو على شركه فلما قسم رسول الله غنائم هوازن بحنين أعطاه مائة من الإبل ثم مائة ثم مائة ثم رآه صلى الله عليه وسلم يرمق شعبا مملوءاً نعماً وشاء. فقال له صلى الله عليه وسلم: يعجبك هذا، قال نعم. قال هو لك وما فيه. فقبض صفوان ما في الشعب وقال إن الملوك لا تطيب نفوسها بمثل هذا، ما طابت نفس أحد قط بمثل هذا إلا نبي. اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فأسلم وحسن إسلامه وترك المدة التي كان طلبها.

وحشي بن حرب: أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم رمه لأنه قتل حمزة رضي الله عنه فلما فتحت مكة هرب إلى الطائف ولما خرج وفد الطائف ليسلموا ضاقت عليه المذاهب فخرج حتى قدم على رسول الله وشهد شهادة الحق ثم خرج وحشي مع من خرج لقتال أهل الردة في خلافة أبي بكر فقتل مسيلمة الكذاب بحربته التي قتل بها حمزة رضي الله عنه فكان يقول أرجو أن تكون هذه بتلك أي هذه تكفر تلك.

أما القينتان فقد تقدم ذكرهما وأما سارة مولاة بني المطلب فقد أهدر رسول الله دمها لأنها كانت مغنية بمكة تغني بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم وقيل هي التي كان معها كتاب حاطب ابن أبي بلتعة (١) وكانت قدمت المدينة تشكو الحاجة وتطلب الصلة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان في غنائك ما يغنيك. فقالت أن قريشاً منذ قتل من قتل منهم ببدر تركوا الغناء فوصلها وأوقر بعيراً طعاماً فرجعت إلى مكة وكان ابن خطل يلقى إليها هجاء رسول الله فتغنى به فاختفت عند فتح مكة ثم استؤمن لها رسول الله فجاءته وأسلمت وحسن إسلامها.

هند بنت عتبة بن ربيعة زوج أبي سفيان وأم ابنة معاوية.

أخدر دمها رسول الله لأنها مثلت بعمه حمزة رضي الله عنه يوم أحد (٢) فلما كان يوم الفتح اختفت في بيت أبي سفيان زوجها ليلة واحدة وكانت هند امرأة ذات أنفة وعقل. حضرت قتال الروم يوم اليرموك مع أبي سفيان وكانت تشجع المسلمين وتحرضهم على القتال مع بقية النسوة اللاتي كن معها.

من هذا يتبين أن عدد الذين قتلوا ممن أهدر دمهم رسول الله ثلاثة رجال وامرأة وأسلم الباقون. قال الأستاذ موير أن الذين قتلوا فعلا هم أربعة فقط. وقد اختفى عتبة ومعتب ابنا أبي لهب ثم اسلما واختفى أيضاً سهيل بن عمرو وكان أبنه مسلما ثم أسلم بالجعرانة (٣) .

وجاء في كتاب ثاريخ الأمم الإسلامية للمرحوم الشيخ محمد الخضري ص ١٨٧ ما يأتي:

"وأمر حين دخوله مكة بقتل أفراد ذوي جرائم خاصة بهم فقتل أكثرهم" وهذا ليس بصحيح فالذين قتلوا هم الأقلون لا الأكثرون. وضربت لرسول الله قبة من أدم بالحجون فمضى الزبير بن العوام برايته حتى ركزها عندها وجاء رسول الله فدخلها فقيل له ألا تنزل منزلك؟ فقال: وهل ترك عقيل لنا منزلا.

الطواف: ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة ومعه المسلمون استلم الركن بمحجنه وكبر فكبر المسلمون لتكبيره ورجعوا التكبير حتى ارتجت مكة تكبيراً حتى جعل يشير إليهم رسول الله أن اسكتوا والمشركون فرق الجبال ينظرون، فطاف بالبيت ومحمد بن مسلمة آخذ بزمام الناقة سبعا يستلم الحجر الأسود كل طوفة بمحجنه وكان ذلك يوم الاثنين لعشر بقين من رمضان كما تقدم وهو حلال غير حرام. ولما فرغ رسول الله من طوافه نزل عن راحلته ثم انتهى إلى المقام فصلى ركعتين، ثم انصرف إلى زمزم وفقال: لولا أن تغلب بنو عبد المطلب لنزعت منها دلوا فنزع له العباس دلواً فشرب منه وتوضأ والمسلمون يبتدرون وضوءه يصبونه على وجوهم والمشركون يعجبون ويقولون: ما رأينا ملكاً قط أبلغ من هذا ولا سمعنا به.


(١) راجع السيرة النبوية لدحلان وتاريخ ابي الفدا.
(٢) راجع غزوة أحد.
(٣) الجعرانة هي ماء بين الطائف ومكة وهي إلى مكة أقرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>